جاري.. سرب حمام!

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يفارق الحمام نافذة مطبخي. يهدل في الصباح، يرمي بظلاله في وهج بعد الظهيرة، خيالات على الزجاج، ويهمهم في الليل، كلما انزعج من طقطقات الملاعق والصحون وهدير صنابير المياه. منذ البداية، فرضت هذه الكائنات الوديعة سيطرتها على مطبخي، ونافست أرواحها الصور الجامدة لشخوص ألصقت وجوههم بالمغناطيس على سطح الثلاجة.

ثمة حياة سرية أتخيل حدوثها في هذا المكان الوديع؛ المطبخ، يتجاوز كونه مورّداً لزوادة المعدة، ومدعماً للبهجة، في بعض المرات، حين يكون طبخ طبق «لوبيا بالزيت» إنجازاً يبعث على الاحتفال. ثمة أيضا هويّة نفسية لهذا الحيز من البيت، إذ إن بلاطه، البارد غالباً، يتوجب أن يكون نظيفاً، على الدوام، فتشعر بأن البيت كله نظيف وأنك أنت أيضاً.. نظيف!

لعل، في ذلك، وهم مستمد من الطفولة، أو هو واقع، كون المطبخ هو أكثر الأمكنة استخداماً مع صالة الجلوس، خلال اليوم، لكن قصة النظافة تلك تستدعي أن تحني ظهرك كلما لمحت طرف شعرة أو كسرة خبز أو بقايا رغوة أو نقطة ماء على البلاط. الحمام، بظلاله، خلف النافذة، يساعدك على احتمال هذه المهمة بفرح، إذ هو يشتت انتباهك عن المهمات الصغيرة المزعجة، فلا تشعر إلا وفرغت من مسح البلاط أو جلي الأطباق.

 أفكر: هل هو ذاته الحمام يقبع كل يوم على الحافة المظللة؟ هل تبيض هنا؟ هل تبدل ريشها؟ هل تتغير، فتغدو نافذة مطبخي الخلفية بمثابة محطة قطار للعابرين في سماء المنطقة، أم هو فندق صغير يبيت فيه «الغرباء» ليلتهم، قبل أن يحطوا خلف نوافذ أخرى ويعبروا في حكايات مطابخ أخرى؟ ومن هو «الريّس» الذي يتقاضى بدل «الإيجار»؟ هل يفترض عليّ أن أفعل ذلك، أم أبلغ شركة «نخيل» مالكة المبنى، إذ هي دأبت على إيداع أوراق على عتبتي تتحدث عن «أزمتها الاقتصادية» التي تبرر زيادات طارئة على الفواتير، فلعل فرض بدل على مرور الحمام يكون مفيداً بالنسبة إليها!

يتلصص الحمام على حياتي من خلف نافذة المطبخ، ولا أكترث كثيراً، فأنا واثق أن ثمة حمامة من السرب، تفكر الآن بما أفكر، وتشعر بأنني متلصص على عالمها من خلف نافذة بيتها، على الرغم من أنها، غالباً، لا تفهم.. هديلي!

Email