اليوم عاد صديقي

ت + ت - الحجم الطبيعي

«صباح الحرية، وأخيراً خرجت من تلك المقبرة الجماعية، عدت إليكم كما كنت، أحمل أحلام الحرية، بوطن دون طغاة. اشتقت كثيراً، دمت بخير».

بعض الرسائل تنفذ في روحك قبل أن تستقر في بريدك الإلكتروني. تستشعرها بإحساس شفيف لا تقدر على وصفه أو تحديد شكله.

 شيء ما ينذرك بأن خبراً سعيداً في بداية العام قد ينتظرك في صندوق الـ«جيميل»، الذي غيّر شكله وعطّل الكثير من وظائفه، فأربكك وكرهته.. لكن، ها هو يعوّضك برسالة غير متوقعة، من اثنتين وعشرين كلمة، من النوع الذي «تصفن» فيه، تعيد قراءته أكثر من مرة كي تتأكد أن الكلمات حقيقية، تعيد التحديق في اسم المرسل كي تزيل شبهة الـ«تسبيم» (مشتقة من اللفظ الإنجليزي الشائع سبام) الذي قد يضرب جهازك، أو «التشبيح» (مشتقة من الفعل السوري للنظام) الذي قد يموه لك بعض الرسائل رغبة في مضايقتك، لكنها حقيقة، الكلمات تفضح الروح والروح لا يمكن أن تزوّر، وخاصة إن كانت روح ثائر.

«اليوم عاد صديقي»، تقولها بفرح، وصورة ذلك الشاب النحيل، واسع العينين ببريق يلمع للعدالة والمحبة والخير، في خيالك. مر عام على اللقاء الأخير: في دمشق البهية، ثلة من الشباب الطموح المتحمس الذي يحلم بغد أفضل، في أزقة المدينة العتيقة، يخزنون عبق الزمن، وأنفاس سكانه، في قارورات ملونة، بدا أنهم كانوا يستعدون لإطلاقها فراشات من نور في فضاء الحرية.

بعد شهور، كان معظمهم، قد زج في السجون بتهم واهية، منها «التحريض ضد النظام وتخريب الأمن». أودعوا زنازين لا يدخلها النور، وكانت أخبارهم تسرّب من تحت العتبات، فتصل إلى أهلهم وأصدقائهم، وتشفي بعضاً من الجروح.

صفحات كثيرة على «فيسبوك» نشرت صورهم، وتضامنت معهم، وطالبت بالإفراج عن كل المعتقلين في السجون، وكنت شخصياً قد كتبت في هذه الزاوية أكثر من مرة عنهم وطالبت بأن «تلوّن صور الغائبين» ولا تنشر بالأبيض والأسود، لمعرفتي بقوة الحياة في أرواحهم، وإيماني المطلق بأنهم عائدون لأنهم احتفظوا بالقوارير الملونة الساحرة في أعماقهم، التي لم يقدر على تكسيرها خفافيش الظلام من رجال الأمن والمخابرات القساة.

«صباح الحرية»، صباح جميل، يكتمل بحرية الوطن وأبنائه جميعهم!

Email