عتمة في سقف القلب

ت + ت - الحجم الطبيعي

أكتب من لبنان. في سقف الغرفة عتمة شتاء. الحكايات ليست ساطعة، رغم أن البلد مشغول بالأعياد. منذ زمن طويل، ابتكر اللبنانيون معادلتهم الخاصة للاحتفاء، رغم كل الغيوم التي تظلل سماء الحذر والرهبة، من الآتي. الآتي في علم الله، فقط، فلا من في الطريق، ولا من في القصر، ولا الفلكيون، قادرون على البوح به. شاشة الأخبار نافذة لمراقبة الأطياف، وممارسة لعبة الاحتمالات. ثمة شريان تاجي يربط بين يوميات اللبنانيين وأيام البلاد المجاورة.

حكايات الوضع في سوريا، وانعكاساته على الشارع اللبناني، تتكرر في كل مكان. في المقهى، في المسجد، في محل «الحلويات».. «هل سمعتم عن ذلك الرجل الذي تم اختطافه من وسط عائلته وأرسل هناك»، «اخفض صوتك من الأفضل الا تتحدث عن هذا الشأن هنا».. تستمع إلى عبارات مثل «هنا» و«هناك» كثيرا.

ثمة خوف ورهبة تتفهمها، لكنك لا يمكن الا أن تقف في وجهها حائرا. تتذكر أنك آت من بلد آخر لزيارة خاطفة، وانه من الأفضل الا تعكر صفو الساعات القليلة المتبقية في رصيدك بتشويشات السياسة.

نشرة الأخبار تتحدث عن «قاعدة» في دمشق. لا يمكن لهكذا خبر أن يمر مرور الكرام. لا يمكنك تجاهل توقيته في يوم وصول المراقبين، الذين من المفترض أن ينتشروا في درعا وحمص وادلب، لا أن يتفقوا بصمات «القاعدة» في دمشق!

مطر يغسل الأشجار في الفجر قبل أن يشتد ويوقظك من النوم، فتخرج الى الشرفة لتحتفي بزخاته، خيولا تصهل في روحك. تتذكر كوة الطائرة ومشهد الثلج النقي الذي يغطي الجبال. لا شيء بنقاء الثلج، وبرودته. تفكر في المعادلة: الطبيعة أعقل من الانسان وأكثر منطقا. برودتها جمال، فيما الشر في داخلنا بارد، شيطاني، حجري، غريزي، لذلك نحن أبعد عن النقاء. عن الثلج. تفكر في الحطب، وفي فقراء، في جبال نائية، يتمنون حظا أفضل في العام الجديد.

عدالة اجتماعية مفقودة، وحقا بالحياة الكريمة والعمل والطبابة والتعليم من دون ذل ومهانة. «يا الله، يا ريت الأمور اسهل»، تقول، فيما الشتاء يغسل كل شيء، على هذه الأرض، الا تلك الضغينة التي تشجع على الاقتتال، وإفناء الناس وأحلامها. الا تلك العتمة العالقة في سقف قلوبنا!

Email