لا عزاء للعراقيين!

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا أسماء للشهداء في العراق، لا نصب تذكارية، لا متاحف، لا حملات إعلانية، ولا حتى تصريحات من باب الحياء. لا رقم رسمياً يجرؤ على أبسط «تكريم» لمن قاوم ورحل. لا عزاء للعراق، في يوم انسحاب المحتل الذي دمّر بيوته، وشتت أطفاله ونساءه، وقتل شيوخه، وأفقر مقدرات البلد الذي كان، ذات يوم، الأغنى في المنطقة.

لم تكن الصورة التي بثتها وكالات الأنباء والتلفزة لخروج الأميركيين من العراق، مؤثرة بشيء. حرصت الإدارة الأميركية على ابتداع كل السبل التي من شأنها توليف تلك اللحظة على ما تشتهي. لم ترغب بها لحظة «فيتنامية» تؤرخ لهزيمتها، وجرائمها. جاءت اللحظة هزيلة وسلسة وبطيئة، لا طعم لها ولا لون، بل، والأنكى من ذلك، تم إضفاء مؤثرات «بطولية» عليها، من خلال جملة من التصريحات واللقاءات المشتركة بين الأميركيين وقادة عراقيين. حرص الجميع على ترويج أسطورة «الربح المشترك»، أي بلغة التسويق الأميركية «وين وين سيتيويشن»!

حين يموت أميركي في قرية نائية في أفغانستان، أو يتم أسر جندي إسرائيلي، أو حتى تلسع نار المدفأة أصابع طفل أوروبي سائح في بلد عربي، تقوم الدنيا ولا تقعد. تحضّر الجنازات، ويعلن الحداد، وتنكس الرايات، وتتدفق التصريحات المعربة عن أسفها وتضامنها وشجبها.. لكن أن تسدل الستارة على عقد من المجازر التي قتلت مئات الآلاف من العراقيين، أبناء حضارة النهر العظيم، أن تتحول بغداد، منارة التاريخ، إلى عشوائيات فقيرة يقطنها من كان عزيز قوم ذات يوم فذلّ، أن يعيش نصف الشعب العراقي بأقل من دولار في اليوم، ويتشرد مليونان ونصف المليون في بلاد تعاملهم كخطر داهم، وينزح نحو ثلاثة ملايين من بيوتهم إلى سماء جديدة لا يعرفونها، أن تغيب ذكرى أبو غريب والفلوجة..

 أن تسارع حكومة العراق للتشويش على مرارة الذكرى بأجواء تشويقية عن محاولة اغتيال «السيد الرئيس» نوري المالكي، الذي يصادف أنه يؤكد على علاقات «استراتيجية» مع الأميركي المحتل، وفي الوقت ذاته، مع النظام السوري الذي يخوض حرباً ضد شعبه، وعلينا أن نصدق أن الأميركي، في المحصلة، هو عدو للنظام السوري(!)

خلّاط عجيب ومقيت ذلك الذي ضربت فيه دماء العراقيين وعجنت ضلوعهم وطحنت عظامهم.. خلّاط تاريخنا المذل، نتجرع «عصيره» كلّ يوم وننتعش: «آح».

Email