أخبرونا عن مصراتة

ت + ت - الحجم الطبيعي

أفكر بمصراتة. بلعبة الإعلام المدهشة. تلك المدينة التي لم نكن تعرف عنها شيئاً، ولم يكن يخطر ببالنا أنها موجودة على خارطة ما، اكتشفناها في الشهور الماضية، بعدما رسمت حدودها الدماء، وابتدعت لنفسها مكانا على خارطة الثورات الإنسانية من أجل التحرر. قبل شهور قليلة فقط، بدت مصراتة قارة بذاتها، إذ كنا ننام ونعيش على اسمها، نتابع سير أبنائها ونسائها وبيوتها، وننعيها ونرثيها قبل أن نتوجها بمجد الرماد وشعلة الحرية.

شخصيا، كنت من أشد المتحمسين لنقل حياة المدينة في سطور هذه الزاوية، واذكر أنني مع بداية العام، ومع سقوط أول صاروخ على المدينة وبدء حصارها الشرس، كتبت ثلاثية متخيلة بعنوان «حكايات مصراتة»، حاولت فيها أن أجسد حيوات شخصيات وأمكنة تلك المدينة البعيدة، التي خرجت من قمقمها فجأة، خالعة غطاء الرأس، عارية تصرخ «دثروني». ومع اشتداد وطأة الأحداث في مايو، وكانت مدينة أخرى في سوريا هي درعا تعيش حصاراً شبيهاً، كتبت في السادس من مايو مقالة بعنوان «قصة مدينتين».

ختمتها آنذاك بالقول: «.. حين يعود العمال إلى مصنعهم ويشعلون شموعا في المساءات متذكرين من فقدوا ومن افتقدوا. وحين تطير فراشات وتغرد عصافير وتملأ السطوح خيطان طائرات ورقية ملونة وضحكات مواليد جدد.. وحين يكتب الموت على أسوار المدينتين أنه لن يعود، وأنه أنجز المهمة، وأنه كان مضطرا لاستضافة الأحرار لكي تبزغ الشمس من جديد وتبدد ظلام الشياطين. حينها فقط سيكتب التاريخ، بحروف من نور.. قصة مدينتين».

وفيما لا تزال درعا تعيش مأساتها، هي ومدن وبلدات سورية أخرى على مرأى ومسمع من «العالم الحر»، من المفترض أن مصراتة قد تحررت. تشير إلى ذلك ساعة إلكترونية على موقع المدينة «مصراتة الحرة» freemisurata، وحتى لحظة كتابة هذه المقالة كانت الساعة تشير إلى 57 يوماً وسبع ساعات و36 دقيقة وعشر ثوان، «منذ إعلان التحرير» في ليبيا.

مرّ ما يقارب الشهران إذا، ولم تسمعنا «الجزيرة» ولا «العربية» حكايات مصراتة الجديدة. هل عاد العمّال لمصانعهم؟ هل حلّقت طائرات ملونة في السماء؟ من يبني، من مات، من يعيش؟ في تونس وليبيا، يتحمل الإعلام مسؤولية مهنية وأخلاقية لمتابعة الحكاية. هذا يبث في المدن التي لا تزال محاصرة بعض الدفء الذي تحتاجه!

Email