"حمص" نجمة السينما

ت + ت - الحجم الطبيعي

الثانية عشرة منتصف الليل. وحيد في قاعة "مكتبة السينما". أكثر من عشر ساعات من المشاهدة توصلك إلى باب "التوهان" الجميل، وتتركك هناك. لا يعود من المهم أن تعرف أصل الحكاية، وكم هي ناجزة أو متخطفة.

فلاشات الوجوه تختلط، ويقفز كلب "رئيس المدينة" إلى سيارة "عمو نشأت" في رحلة إلى ميناء "اسطنبول.. رجاء تذكريني"، حاملة إشارة "مرسيدس" في "الأرض المقفلة"، حيث "الرجل الأول" يغرق في "غيمة في كأس".. عناوين كثيرة لأفلام كثيرة والحكاية واحدة: ألم وحنين.

في منتصف الليل، في القاعة الخالية الباردة، تختال الصبية الجميلة، كما على سجادة حمراء، تتقدم نحوي، وتسألني إن كنت مرهقاً، وإن كان بوسعها أن تروي حكاية إضافية: "بالطبع، فأنا لا أتعب من الحكاية، ولكن من أنت؟ هل لك أن تعرفيني على حضرتك؟ أشعر بأنك مألوفة!".

ترفع شالها عن عنق أبيض نضر، كما حمائم الصباحات التقيّة في المدن الوديعة: "ألا تعرفني! أنا نجمة السينما المقبلة. أنا في كل الشرائط والقلوب. انتظرني في الموسم المقبل، في مثل هذا اليوم من العام المقبل، في "دبي السينمائي"، تذكّر.. سأكون على كل الشاشات".

تأكلني الحيرة، وإن اغتباطاً لرؤيتها، يتسلل إليّ كما يتسلل الدفء إلى قلب طفل في فراش بارد. شالها الأخضر حدائق برائحة الريحان، بريق عينيها فيه عزة وكرامة، وينابيع من دموع عذبة. تقترب أكثر، يا الله! ماذا أرى: صورهم خطف بصر في عينيها، فلاشات تحضر للقادم عرضه، نساء يلبسن الأسود وينشرن الأرز وماء الزهر ويطلقن الزغاريد، ورجال بلحى الأسى المرخية، نظراتهم سارحة، وساحات وأسطح مضاءة عليها الشموع.

 اقتربي أكثر يا نجمة الموسم المقبل، وامنحيني سبقاً صحافياً، اكشفي لي عن الصور والحكايات، عن المجزرة المخفية والبطولات الرائعة. "نعم، عرفت. سأجهز قلمي وأنتظرك في الصالات، سيشهد العالم على حجم المجزرة، وأنسخ الأفلام وأدسها في كل بريد".

"وأنا عار الخنوع العربي، والرقابة والحصار. وضحية المونتاج وقص الشريط واللسان، وإضاءة خافتة تحاول أن تظلل لون الدم، وصرخة من غير دوبلاج، وموسيقى جنائزية، وأداء بطولي جماعي. كل من معي، ومن فيّ، أبطال ونجوم، يسطرون تاريخ المجد بأرواحهم"..

"عرفتك من طلتك البهيّة، يا نجمة في ظلمتنا.. يا حمص"!

Email