عتبة الصالة المبهجة

ت + ت - الحجم الطبيعي

 

 

في عتمة الصالة أغمض عينيّ وافتحهما فتتبدى لي أشعة خفيّة وإشارات. ألعب مع «شبكيّة» عينيّ، أغرق فيهما، أقفز، أشكّل الرموز، أو هي تشكّلني.

أحمّل قلبي دلوا، ونذهب لنعبئ «الأدرينالين». ثمة ما يفيض ولا نجد حيّزاً لكي نخبّئ الحماسة ونخزّنها للأيام التي ينضب فيها الفرح ويسود الضجر ويتحرك خط الأيام من دون تعرجات، باستواء كما استواء الموت.

في عتمة صالة السينما، اربط حذائي ببالون الأحلام وأحلّق مع الصور والخيالات إلى مجرّة السحر الخالص. أشعر أن العتمة عتمتي، والمجرة مجرتي، والسحر لي وحدي، إذ افقد إحساسي بالمحيط، وهذا ما أحتاجه بين حين وآخر.

موسم العتمة الجميلة حلّ، ودبي تشعل مجددا أحلام السينما على مدى أسبوع، في مهرجانها العالمي، وثمة «عتبات للبهجة» تنتظرك، تفتح ذلك الباب السميك، المؤدي إلى رواق صغير مشوبة ألوانه بأحمر خمري، وصولا إلى انبلاج النور الساطع من الشاشة.

للعتمة الساحرة رائحة زهر الكرز وجلد الليمون الأخضر وعبق «الدفلى» والبن المطحون.. وكل ما اشتهي. ولها أيضا أوراق بيضاء تنتظر أفكاراً صغيرة تغوص في قلوب من أحب ومن لا أحب، ومن أعرف ومن لا أعرف.. ولها مواعيد ولقاءات مع وجوه مكررة، في كل عام، تعكس مراياها صورة الزمن اللاهث، ونحن جماد.

أقابل الأصدقاء، كل سنة مرة، في المكان ذاته، خارجين من عتمة أو نافذين إليها، فألحظ شيبا على جبين فلان، وضمورا في وجه فلان، وذعرا في قلب ثالث، واعرف أنني أيضا أكبر، وأن الطفل الصغير الذي تنطط لأول مرة على السجادة الحمراء قبل ثماني سنوات سعيدا بأن في المدينة مهرجان يعرض سينما مغايرة، لم يعد ذاته اليوم منتظرا على عتبة البهجة الثامنة.

ثمة ما يجذبني لمحاورة صناع الأفلام، بقدر ما انجذب للاستمتاع بالفيلم. ورغم أن مساءلة الساحر عن أسرار قبعته ضرب يحتمل مخاطرة المتعة أو الإحباط، إلا أن السينمائيين يحبون أيضا أن يناقشوا في تأثير أفلامهم على من يشاهدها، كما كل مبدع، وتحديدا عن تلك الإشارات الخفية التي تطلقها «شبكية» العين في لحظات التخطف بين النور وعتمة الصالة الحلوة!

Email