فيروز.. لمن تقرعين الأجراس؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

لمن تقرعين الأجراس يا مضيئة كما وهج الشمس في صباح صنيني شتوي؟ لمن ينساب صوتك، لأي ذاكرة، لأي حلم وأي حنين؟ تصدحين غدا، في بيروت، تلقين السلام على المدينة المنقسمة على نفسها وأبنائها وأيامها، تلملمين قبلا ذابلة عن وجوه شاحبة فقدت البوصلة وأضاعت الطريق، تبحثين عن «وجه بحّار قديم» في صخرة الزمن الثقيل الذي يعبق بروائح الموت.

لبيروت، و«مجد الرماد»، لم تتعبي من الغناء. في لحظة حرجة ومأزومة، حين ينفث البلد الصغير دخانه استعدادا لانفجار البركان، حين مقتل صبية جميلة على يد عامل أجنبي يشعل حملة عنصرية قادرة على حرق عشرات العمال البسطاء، حين تغرق الساحات والمساجد والكنائس ومراكز الأحزاب بالخطاب الطائفي، حين تغطي الغربان سماء الأرز ويستوطن البوم في عقول وقلوب ينقذها الشؤم ويعجزها التفتيش عن طوق النور، حين يدافع أصدقاء الجلاد عن سلخ جلود الأطفال وخطف النساء وقنص الأبرياء.. وسط ذلك كله، تظهرين على المسرح، لتغني لبيروت، وتذكّري أن «الأرض لكم»..

«الأرض لكم.. فالأرض تبتهج بملامسة أقدامكم العارية، والأرض لكم.. وشعوركم مسترسلة تتوق إليها الريح، والأرض لكم.. وأنتم الطريق، فانهضوا من قيدكم عراة أقوياء، والأرض لكم.. قدّسوا الحرية، حتى لا يحكمكم، طغاة الأرض».

لكن الأرض تميد، والريح تصفر، والطريق غامض وضبابي، والطغاة استفحلوا واستشرسوا، تعّروا وسقطوا، لكنهم سفكوا الكثير من الدماء. يا فيروز، مدننا غارقة بالدماء، فلمن تقرعين أجراسك الملائكية، وآذاننا مقفلة وبنا صمم.

«الأرض لنا، وأنت أخي، لماذا إذاً تخاصمني؟ أنا لا أسمع، وأنت لا ترى، وبنا شوقٌ ليدرك بعضنا الآخر، فهذي يدي، هات يدك، هذي يدي هات يدك، هات يدك».

يا فيروز، «مجد الرماد»، أهو «مجد» المنبعثين من رماد الخوف والمذلة، لكي يشعلوا مجددا أنوارهم ويخرجوا بأوطانهم إلى طريق مضيء؟ أم هو مجد لا قيمة له، إذ تقع الأوطان مجددا فريسة القوى العظمى، أو تيارات الظلام، أم هو رماد القلوب، تغنين له. ذلك الذي يبقى من حرقة الأمهات حين يمتن ملتاعين على فقدان أبناء تركوا أحضانهن وارتموا في حضن الوطن. لمن يا فيروز تهدين مجد الرماد في لحظة الغضب العارم والحريق القادم؟

Email