نيرون يشعل لبنان

ت + ت - الحجم الطبيعي

أكره أن يكون لبنان «حديقة» خلفية، تدفن فيها الرؤوس والنفايات السامة، وتقطّع أشجارها حطبا لتدفئة الجلادين ومشارحهم الباردة. أكره أن تبدأ شرارة الحرب من البلد الصغير الذي لم تتعاف أرواح أبنائه يوما من جراح الحروب والمعارك، والاقتتال الداخلي المستعرة نيرانه بمحركات خارجية. «كلما دق الكوز بالجرة»، تطاير الشرر من لبنان، وتوهجت الحكاية، مبّشرة بفصل جديد من فصول المحرقة المستمرة.

ثمة في بلد فيروز والمقاومة، أناس يودّون العيش بسلام، من دون أن تنهار سقوف البيوت فوق رؤوسهم، ويتشردوا في مجاهل الأرض، كل يبحث عن رزقه، لكي يرسل جزءا منه إلى بلاد، لولا عكاز مهاجريها لانهارت منذ زمن بعيد.

ثمة من يحلم ببلد تحكمه المواطنة المدنية، بعيدا عن الارتهان لأوهام العصبية، والمذهبية، والقائد الهارب الذي يخاطب مريديه عبر «تويتر» أو عبر شاشة عملاقة تنصب في ساحات الغضب. ثمة نساء يتعذبن كل يوم، بسبب قوانين عمرها ألف سنة، حكمت عليهن بالقسوة والذل والانكسار، ولا من يدعم ولا من يأبه، فقادة الوطن مشغولون بإفناء أشجار الحديقة، لتدفئة الجار المتعري. الجار الذي حرص، طوال عقود، على أن يدوم خريف الموت في «حديقته» فلا أحد يعجب بها، ولا تنافس بيته الصامت المخيف.

نيرون القاتل يريد أن يشعل الأرض قبل أن يرحل، لكن لبنان ليس أرض نيرون، ومن فيه ليسوا جميعا «عبيده» المستعدين للانتحار من أجل أن ينعم هو برفاهية الحياة، ويظهر على أغلفة المجلات السياسية مقاوما عتيدا، وتظهر زوجته على أغلفة المجلات العصرية تقدم صورة «ليبرالية» عن البلد المنكمش على قناعات بائدة.

لماذا على اللبنانيين أن يموتوا لكي تبقى صورة الأسرة الحاكمة الجارة مشرقة وبراقة؟

لماذا على المطار والساحات والشوارع والبساتين والأنهار أن تحترق، لكي تتوهج صورة نيرون أكثر؟

أكره أن يكون لبنان بلدا يدعي أبناؤه كل يوم ميزة الاختلاف والتحضر، فيما لا يأبه جزء كبير من أبنائه لجر البلاد إلى عصور الظلمات، تحت عناوين يحتاج صدقها إلى تدقيق حقيقي.

أكره أن أقرأ ما يكتبه زملائي، وبعضهم أصدقاء، في صحافة لبنان، عن أهمية «العودة إلى الطائفة» بوصفها الحل..

أكره أن تكون الحديقة.. خلفية دوما!

Email