العفو عن فراشات النور

ت + ت - الحجم الطبيعي

الرئيس قرر أن يعفو عنك، وعن كل «الحماقات» التي ارتكبتها، فهل تجثو له على ركبتيك، وتتهدج بصوت مجلجل: شكرا لك سيّدي؟

حسنا، لكن لديّ قبلها طلب صغير، لا أدري إن كان للرئيس رغبة بتنفيذه؟

قل ما عندك ونعدك خيراً.

طفلي منذ فترة لم يعد إلى سريره. أشتاق إليه، كان يكفي لي أن احضنه كي يطير بي إلى دنيا بعيدة، أكثر هناء وسعادة. كان يكفي أن يضحك بوجهه المتورد، وهو يراقبني ادس الحطب في مدفأة الشتاء الجليدي، فيتطاير الشرر في فضاء الغرفة، وأقول له أنها فراشات النور احترقت لكي تنعم بالدفء، هل تظن أنه سيعود يوما، هل بوسع الرئيس أن يعيده؟

نعدك خيراً، الرئيس قلبه كبير، وقادر على الغفران، وكل من أساء إليه سوف يأتي مذلولاً إلى باب قصره لكي يعتذر عما بدر منه، هلا جثوت؟

لديّ طلب إضافي، إن أذنت.

قل، طلباتك لا تنتهي، كان عليّ أن أتذكر أنك من الشعب، والشعب لئيم طامع لا تنتهي طلباته ولا تكف رغباته.

سامحك الله، أنا فقط وددت السؤال عن أمّي العجوز. كانت الطرقات مقطوعة، والساحات ملعبا لقذائف الطائرات، والمعابر بوابات للنار، كانت أسطح البيوت تهتز فلا يقف عليها الحمام، ولا يقيم على حوافها عطر الياسمين المقتول برائحة البارود، اختنقت الدجاجات وماتت العرائش واخترب سطحها، فلم تطق أمي رؤية ذلك و«طفشت». كنت في مكان بعيد أحاول أن اقنع صيدلانيا على فتح محله ليبيعني دواء الضغط، خرجت ولم تعد!

لا مزاج لي على الاستماع لترهاتك.

لم أخبرك بعد عن ابنتي الصغيرة، لقد أعادوها لي من دون جلد، كانت مسلوخة وللوهلة الأولى ظننت أنها ولدت من جديد، بدت كأنها الوليدة التي حملتها بين يديّ أول مرة، لكنها لم تكن تصرخ، وعيناها أكبر ومغمضتان، وحول فمها صفار وذبول، كانت قطعة لحمي المسلوخة، كانت ميّتة.

اخرس، الآن عرفت نواياك، أنت حاقد لئيم غدّار وخائن، لكن الرئيس، رغم كل شيء، سامحك، لماذا لا تجثو؟

لأنني أنا أيضا ميّت. أنت تحادث شبحا يا أبله، رئيسك المجرم قتلني وطفليّ وزوجتي وأمي، لم يبق منا أحد. فعمن يعفو؟

Email