أمينة المكتبة.. العاشقة!

ت + ت - الحجم الطبيعي

هناك سحر خاص للمكتبة يجعلها مسرحاً لأحداث روايات وقصص وأفلام كثيرة. الرفوف، بكتبها التي تختزن حيوات وأفكاراً وتاريخاً شخصياً وعاماً، فردياً وجماعياً.. تداعب خيال الكتاب الذين يلجؤون إليها كي يخترعوا عالماً موازياً لها، مستفيدين من أدوات أساسية للبناء الدرامي، تتوافر بشكل تلقائي في مكان المكتبة.

أورد هذه الخاطرة، مقترنة بخبر ترجمة مجموعة قصصية للكندية الحائزة على «بوكر» أليس مونرو تحت عنوان «العاشق المسافر وقصص أخرى» عن «الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة». ومونرو، التي تجاوزت العقد السابع من عمرها، وتعيش في بيت ريفي محاط بأشجار الأرز، مع زوجها الذي ولد في البيت ذاته، يحلو لبعض النقاد أن يسميها «تشيخوف» القصة القصيرة، في إشارة إلى الروائي الروسي الشهير. تحب مونرو الريف، وتغوص في العوالم الداخلية لشخصيات تعيش في أمكنة ضيقة، وإن، بأحلام كبيرة.

بطلة قصتها الرئيسة في المجموعة المترجمة للعربية، والتي يحمل الكتاب اسمها: «العاشق المسافر»، هي أمينة مكتبة، تعيش حالة عشق مع جندي لم تتعرف إليه شخصياً، وإنما وقعت على إحدى رسائله بالمصادفة. تكاتبه، من خلف جلدات الكتب السميكة التي تضم ورقاً أصفر تفوح رائحة أحباره، وتطير مع رسائله إلى خلف الغابات والأنهار، والجدران والأسوار. تظن أنه بانتهاء الحرب، سيأتي إليها ويتزوجها، لكنها تقرأ خبر زواجه بعد فترة في الصحيفة، بل إنه يكاتبها بعد مدة طويلة ليشرح هذا الزواج!

قد تبدو القصة تقليدية، عن الحب والحرمان، لكن لمونرو تلك القدرة الخفية على خلق شخصيات ساحرة في ظروف قد تبدو للبعض تقليدية، أو مشاهدة من قبل.

قصتها، أعادتني إلى صورتي السرية التي رسمتها ذات يوم عن سيدات المكتبة، أولئك اللواتي يقفلن على أسرارهن، كما تقفل الخزائن على المخطوطات النادرة، ويتماهين في لعبة الصمت حتى النهاية، ويتماهين في إلغاء تاريخهن الشخصي، مقابل تدوين تاريخ الناس على بطاقات، بحجم كف اليد، ذات ملمس ناعم ومخططة، تدسّ في أدراج صغيرة، كما هي أدراج أقزام الحكايات الأسطورية. تدوّن أمينات المكتبات بشجاعة وصمت تاريخ ما نقرأه؛ تاريخنا، من دون أن يتذكر أحدنا أن يفكر في تاريخهن.. مونرو فعلتها!

Email