«يو.. نيسكو» و«وي.. نيسكو»

ت + ت - الحجم الطبيعي

.. «وبطبيعة الحال»، فإن أميركا وكندا وألمانيا لا يمكن لها أن تحلّق خارج السرب الإسرائيلي. فالسرب هو عمقها وجوهرها وفكرها، وما عدا هذا السرب سراب في صحراء عقولنا فقط. كيف نجادلهم فعلاً؟ نترك لهم الوقت والمقعد والشاشة لكي يتبجحوا في حديث القيم والشجاعة وحقوق الإنسان. القيم، على الطريقة الأميركية وحلفائها، صورة رجل يأخذ نفساً عميقاً، ثم يزفره، صائحاً «أميركا»، فتهتز الأعلام الملونة المزروعة في كل مكان، وترتج أحلام البائسين حول العالم، متخيلين اللحظة التي قد تطأ فيها أقدامهم أرض «الحرية»، بعدما وطأتها عقولهم منذ زمن بعيد. منذ أن بات التغريب هو الخبز، والاستشراق هو الزعتر!

وعلى سيرة الخبز والزعتر، بات لفلسطين، أي لنا، مقعد في الــ «يونيسكو». وبات بوسعنا أن نقولها بشجاعة، ومع زفير أنفاس نشطة «نحن أيضاً نستحق أن نكون هناك.. فلنا الحضارة، ولنا الثقافة، ولنا العراقة، وإن كنتم (يو).. نيسكو، فنحن، أيضاً، (وي).. نيسكو»! (على طريقة تكسير اللغة المتبعة في رسائل الهواتف والبريد الإلكترونية).

هذا ليس «برستيجاً» فقط، ولا هو انتصار، فحسب، على وحوش الفيتو، أو حتى الوحش الإنجليزي الصامت بخبث، حين يتعلق الأمر بقضايانا.. وإنما هو حق يودي إلى حماية حقوق. هذا المقعد سيقوّي الموقف الفلسطيني الساعي إلى حماية الأرض وبيوتها وتاريخها من الهدم والسلب ومسح الهوية. ثمة آلاف البيوت، في فلسطين، في القدس ورام الله وحيفا وحتى النقب، تختزن جدرانها أصول الحكايا وإيقاع اليوميات وعزف الحنين، حجارة تسكنها «سوناتا أشباح القدس» (على قولة الرائع واسيني الأعرج).. تهدم كل يوم بالجرافة الإسرائيلية المجرمة، القاسية والصفيقة، كما هي تصريحات المسؤولين الأميركيين، ومواقف الكنديين، وصمت الإنجليز.. مقعد اليونيسكو قد يفي بالغرض، لن يكون الأمر سهلًا، لكنه سلاح في معركة طويلة.

.. «وبطبيعة الحال»، غابت المواقف العربية الرسمية عن انتقاد المواقف الأميركية ومناصريها، وهذا بات مفهوماً، وإن كان لا يتوقف عن زرع روح المرارة في كبدنا وقلوبنا: هل الاحتفاء بمقعد في منظمة دولية يستعصي على هذا النحو؟ نحن لم نعد نجرؤ حتى على الاحتفاء، ولو بالكلام، طالما «شرطي العالم» جاهز لكي يحرر في وجهنا مخالفة، قد تطيح بنا من فوق الكرسي!

Email