خطّاف لقلب الوقت

ت + ت - الحجم الطبيعي

لديّ بنطال "جينز" قديم، عمره سبع سنوات، ما زلت أرتديه بين الحين والآخر، فأنا لم أزدد طولاً منذ عشر سنوات. لديّ قاموس رثاء لفلسطين، أغرف منه ذات العبارات منذ أكثر من عقد، أرميها في ثنايا الصحف والمجلات، ثم المدونات، سوداء، بلون الحداد، ففلسطين تموت، بذات الطريقة، منذ أكثر من ستين عاما.

 لديّ ديوان شعر لقصائد نازك الملائكة، بتجليد أحمر، وصورتها على الغلاف بالأبيض والأسود، شاحبة، تكاد تذوي وهي في عز الصبا.. أعود إليه في الطائرات والقطارات، وأقرأ القصائد ذاتها، فأنا، منذ نازك الملائكة، لم أقرأ الشعر، تقريبا!

لديّ نوع من الأسئلة التي ترمي بـ"خطاطيفها" في قلوب أصدقائي، صنارات ماهرة تلتقط الأشياء الدفينة، يشعرون بالارتياح في التصريح عن مكنونات سرية، نجادل في العمق، في سطوع التنهدات وألق الأحزان.. ولا أحد اصطاد في داخلي منذ زمن بعيد!

لديّ فضول لمواكبة الجديد، رغم ذلك، وأنا أقبل تحدي "الأدرينالين"، فألحق بقطار المجددين، وأركض حتى يخرج البخار من فمي، ثم أقفز إلى العربة، وأبتسم في المقعد الجلدي المريح، قبل أن يمر مراقب التذاكر، محملقا في وجهي، بشارب كث مخيف، وعينين جاحظتين، وأتذكر أنني ركبت القطار من دون شراء تذكرة!

لديّ اهتمامات قديمة. أداري عليها كعجوز، وإن في الثلاثين ونيّف من العمر. أحفظ تذاكر الطائرات، والقطارات، وأفلام المهرجانات، ومناديل من المطاعم.. وقد نهبت كل الألبومات التي تؤرخ لسيرة عائلتي المتشعبة، وصادرت مشعلة سيجارة أبي وساعته العتيقة، وراوغت عمتي كثيرا قبل أن أحصل على "صنارة" خشبية، استخدمتها جدتي قبل ثمانين سنة، في ترقيع شباك صيادي الميناء، كي تحصل على أجر ضئيل يعاونها في تحمل شظف الحياة، والأيام التي تمر قاسية على جدران بيت مدفون في رطوبة مدينة عمرها أكثر من ثلاثة آلاف سنة!

لديّ هوى للاحتفاظ بأشيائي القديمة، وأفكاري القديمة، وأصدقائي القدامى (معظمهم لا يتشاركون معي، لسوء الحظ، هذا الهوى)، وحنين قاتل إلى اللحظة التي تموت، والذكرى التي تشحب على غلاف أحمر، والحكاية التي تكتسي بلون الحداد..

يحدث أحيانا، حين أستيقظ صباحا، أن أتساءل: ما اليوم؟ ما الوقت؟ ما الزمن؟..

Email