على قيد الأرق

ت + ت - الحجم الطبيعي

قليل من النعاس أشتهي. شيء من ظل الحلم أو طرف الكابوس، حتى كل الأفكار معلقة في سقف السرير، كحبال تشنق الطمأنينة وتقيّد هنيهة من السلام باتت نادرة. كل القتلى والجرحى والزلازل والمصائر وصناديق الاقتراع، وصور مذيعي نشرات الأخبار وغمزات المذيعات، وتجشؤ «الخبراء» والمستشارين، وصفاقة المدافعين عن الظلام، ومصاصي الدماء، وذلك الخوف العظيم من الخديعة الكبرى، والمؤامرة المستمرة، والضحية الأبدية.. كل ذلك يحشو وسادتي، ويصيبني، كل ليلة، بحساسية البقاء على قيد الأرق.

عتب الأصدقاء.. وصفحة في كتاب لا تزال تنتظر أن أقلبها.. وفيلم على شفاه مشغل الأقراص ينتظر أن تبتلعه كبسة زر play.. ورسالة إلى صديقة طلبت قبل شهور أن «أرسل لها مكاتيب» كما أيام زمان، مخطوطة على ورق، برائحة العطر والشوق، لا حروف الديجتال الباردة: واحد وصفر.. وحب لا يجد وقتا لفراشة تطير بين حناياه، ولأغنية تعنّ على ذاكرته، ولحضن يحبسه حتى النهاية.. كل شيء يبدو مؤجلا، كسهو جميل لا يكتمل، وجدول رقراق لا يسيل.

«الاستيقاظ» من اللانوم، ليس ألما، بل خدرا يسري في شرايين الدماغ، يعطّل الإحساس. صور الشاشة تبدو مستعادة، وفي القلب ألم بات معتقا، كما في خابية قديمة، راكد في قعرها سائل يتجمّد. عناوين الصحف حروف منسوخة من أخبار الأمس وما قبل الأمس: يتغيّر وجه الضحية، ورقمها، لكن المجرم واحد. الخدر ليس لذيذا ولا عادلا، فهو، في لحظات، يجعلك تمر على صورة المجرم من دون أن تبصق في وجهه.

خدر الأرق خادع، وسيكون عليك أن تجهد بالك بالتفكير لكي تتأكد أن ضوءا لمع في عينيك، ليس نجمة من السماء سكنت فيك هاربة من مجرة مخيفة، ولا مصورا يريدك نجما مع نجمتك على غلاف مجلة، ولا ألق ألماسة كفيلة بأن تغيّر حياتك، كما في الحكايات، ولا خطف من الذاكرة تهدي إليك صورة من الطفولة، جميلة وبريئة، لم تعرفها من قبل، ولم يذكرك أحد بها.. ذلك البرق السريع ليس سوى مخالفة سرعة زائدة على طريق سريع. فمكافأة الخدر «رادار» رادع!

قليل من النعاس أشتهي، كي تعود للحرف روح، للصورة ذاكرة، وللضحية اسم، وللمجرم لعنة!

Email