خذوني أسيراً!

ت + ت - الحجم الطبيعي

أتمنى أن يقوم أحد بأسري. فأنا لا أجد فعلا الكلمات التي تعبّر عن هذه الحالة، طالما أنا حرّ طليق.

بوسعي أن أتخيّل قليلا، أو كثيرا. أتحدث عن أسير فلسطيني رسم وجهه على الحائط بقطعة كلس. مضت الأيام وهو لا يعرف مرآة غير الاسمنت. في السنة الأولى، رسم وجها شابا، في الخامسة زاد «شخبطات» تدل على الشيب، في العاشرة رسم رأسا من دون شعر وابتسامة تنقصها أسنان.

بوسعي أن أتخيّله راسما ولدا صغيرا، كان في أحشاء الزوجة، حين رموه في الزنزانة. ثم كبر الولد، ولم يعرفه الأب. تخيّل ولده. تخيّل حنانه وأبوته، بل انه كان يغضب منه ويؤنبه، ثم يهديه وينصحه، ثم يحضنه ويذهب معه ليخطب البنت التي أحب، يفعل ذلك كله، وهو في الزنزانة، يتخيّل. بوسعي أن أتخيّل، كيف يتخيّل الأسير، لكنني أكثر ضآلة من الواقع، والكتابة الواقعية في هذا الموضوع.

الخيال قد يسعفنا، لكنه جرح مفتوح على واقع غير متحقق. لماذا حرية رجل إسرائيلي، عسكري، من الذين يقتلون أطفالنا بالقذائف، ويلتقطون الصور التذكارية المريضة مع أجساد أسرانا الوهنة.. لماذا جسد شاليط و«معناه» يساويان مئات الرجال الفلسطينيين العرب؟

هل هناك مذلة أكبر؟ هل هناك دليل أوضح على عنصرية أميركا ودعمها المفرط وغير الخاضع لمساومة إسرائيل. في كل لحظة نتأكد ونؤكد: تخرج وزيرة الخارجية الأميركية لكي ترحب «بعودة الجندي شاليط التي أنهت محنة طويلة». كلينتون لن ترحب بعودة مئات الأسرى الفلسطينيين إلى ذويهم، وبعضهم مكث في السجن ما يقارب ثلاثة عقود ونيّف.

فهؤلاء في عرف الفكر الصهيوني، والسياسة الأميركية، هم «إرهابيون»، نالوا حريتهم رغم أنف إسرائيل التي رغبت بأن تتعفن جثثهم في الرطوبة والرعب. يا لوقاحة الظالم وقلة العدالة: يطلقون سراح الأسرى ويتوعدونهم بالملاحقة والقتل. يخرجونهم من سجن إلى سجن آخر.

وجوه الفلسطينيين المرسومة على اسمنت الزنازين الإسرائيلية هي أيقونات عارنا جميعا، هي كوابيسنا التي لا تنجح اللغة ولا الخيال في طردها، هي ألمنا الذي لا ينفع دعمنا ثورات التحرر في تسكينه، هي صور ستصاحبنا حتى اليوم الأخير، وسنسأل عنها، بعد اليوم الأخير!

Email