مقالات التخريف و«التعليف»

ت + ت - الحجم الطبيعي

تضحكني جداً المقالات التي استشف جهل كاتبها من «الرشفة» الأولى. تشعرني بشفقة تجاه من استهان بمسؤولية الكلمة، وسلّم قلمه للتجديف أو التخريف، أو «التعليف».. هذه الأخيرة تعني «علف» بعض الكتاّب للمؤسسات التي يعملون فيها، والأنظمة التي تديرها، بسرد وقائع تشويهية وساذجة، على حساب المصداقية والدقة.

من فئة «التعليف» تلك، مقالة قرأتها مؤخراً عن دبي في صحيفة عربية. لا جديد فيها. كما تعودنا، حفنة من الآراء الموجهة، غير مدعمة بأرقام ولا إحصاءات ولا كلام خبراء، لكنها مصرة على أن تفضي إلى نتائج وتسوّقها محاطة بقدسية «العلم» و«المعرفة» الصحافية التي تمكّن كاتباً، في لحظة «مزاج»، من اختزال مدينة بملايين الحكايات البسيطة والمعقدة، بقصص ثلاث شخصيات تعيش معاناة «التخلي عن رفاهية زجاجية» بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية.

 هناك ثلاث نقاط تصيبني بالدهشة دوما لدى التطرق إلى هذا الخط من الكتابة. أولا: افتراض أن دبي هي ساحرة من الحكايات الأسطورية، حيث العصا تحوّل الضفدع إلى أمير والخراب إلى قصر والشقاء إلى نعيم. وعلى سيرة الحكايات، فقد تعلّمت من الصغر أن أكون نملة أعمل بجهد طوال الصيف لمواجهة مفاجآت الشتاء، بدل أن أكتفي بغناء الصراصير، وأموت في زمن البرد. في سيرة دبي شيء من حكايات الجهد والحنكة، وإذا كانت، كما يريد الكتاّب دوما تسويقها، مسؤولة عن مصائر أفرادها، فلماذا لا يتعلمون من تلك الحنكة و«ينجون»؟

ثانيا: تفترض هذه الكتابات أن من اضطر لتغيير نمط حياته الفاخر إلى أكثر تواضعا في دبي، هو ضحية! وعلينا، فعلا، أن نذرف دمعة لأن «سناء لم تعد تأكل الكافيار»، و«محمود لم ينل حظه من الإثراء السريع عبر المضاربات العقارية»، و«لبنى لم تعد قادرة على الذهاب إلى الكوافير سبع مرات في الأسبوع»! هل تأثرتم؟

ثالثا: لماذا، بدافع الاختزال «التعليفي»، يتم تجاهل آلاف القصص الناجحة، لأناس عرفوا كيف يحتاطون في وجه الأزمة العالمية، ويبحرون بزورق أسرهم نحو بر الأمان. شخصيا أعرف قصصاً لأصدقاء ومعارف عرب وأجانب، يعيشون في دبي، بوسعها أن تملأ هذا الحيّز لشهور طوال مقبلة، وأن تكون ملهمة للكتاب الذين يريدون، بصدق ومن دون توجيه أو نوايا، أن يتعرفوا على فرادة تجربة المدينة.. بلا «تعليف»!

Email