نبض العسلي

ت + ت - الحجم الطبيعي

إذا حدث وقابلت يوماً محمد العسلي، فاحترس من قوة نبضه. المخرج المغربي، صاحب "فوق الدار البيضاء الملائكة لا تحلق"، حين يصافحك، يعانقك، أو يحرضك على السير أمامه، تشعر بذلك النبض، في عضلاتك، ثم بعد الحديث معه، في شرايينك وذهنك. كما حياته، هو إبداع العسلي؛ لا مساومات ولا انهزام، بل أمل قوي، يواجه الأقدار البائسة: "

استمد الأمل من محبة الإنسان، وإيماني أنه مهما استكان، فهو بركان". ليس هذا سجعا، فهو لا يحب "السجاعة"، كما "الكليشيهات"، وكلامه شجاعة نافذة وواثقة في خوض معركة الدفاع عن كرامة الإنسان، في وجه السلطة التي "تسعى إلى تفريغ الفرد من أجل استلابه".

فيلم عن النبض هو إذا "أياد خشنة"، تحفة العسلي الثانية، يعود بها إلى عرض أول في "أبوظبي السينمائي"، فيحقق تجاوبا مؤثرا من النقاد ومن جمهور مخلّط الأعراق والأهواء. على الأقل، هذا ما تبدى من جو الصالات التي عرض فيها الفيلم، والمقاعد التي غصت بشاغليها، ومن النقاشات التي تبعثرت في الأروقة والصالات، تشيد بفيلم أسقط ثلاث مسلمات دفعة واحدة: أن الأفلام المغربية معطوبة بأزمة اللهجة، ومأزومة بتوجيه التمويل الغربي، ونمطية كما قوارب الهجرة التي تغرق مساكينها البائسين. لا شيء من ذلك كله في فيلم العسلي.

عن حلاق ومعلمة ومخبر، يواجهون حياتهم القاسية، كل على طريقته. تتقاطع حيلهم الصغيرة مع حيل السلطة المتغوّلة. يلتقطون فتات حقوقهم التي ابتلعها وحش الفساد والقهر. الحلاق يصحب معه عازف قانون، يلعّب أصابعه على الأوتار المشدودة، فيما هو يلهو بالمقص متفاعلا مع النغم. نغم يصدح في قصور فارهة، "خالية من الروح"، تسكنها السلطة التي هرمت وعجزت حتى أصابها الشلل والقبح والخرف.

 يخترق البسطاء بلاط الأثرياء النافذين، لكي يقوموا بمهمات بسيطة، لكنهم، وكما يريد العسلي أن يظهرهم، منتصرون أولا وأخيرا: لأن الجمال عندهم، قابع.. في حجرة صغيرة تنسج فيها أم ضريرة سجادة، وتحضر الغداء والشاي لابنها الوحيد ومعيلها، وفي حرية امرأة تأبى أن تنتهك ويباع جسدها لمزارع "الفريز" في إسبانيا، رغم حاجتها إلى الهجرة وشعورها بالغربة والتغريب..

في نبض العسلي يقبع الجمال، لذلك يخرج المشاهد من أفلامه ولسان حاله يقول: "أنا حلو"!

Email