حكاية تمثال

ت + ت - الحجم الطبيعي

التمثال في المدرسة، في الشارع، في البيت. التمثال في النظر، في الفكر، في الصوت. الوقت تمثال، والأمل تمثال، والحكاية تمثال.

في الخريف، يطّيّر الهواء ورقة مبلولة، فتلتصق على وجه التمثال، تحديداً على شفاهه. يراقب المشهد من خلف زجاج نافذة الصف، ويتمنى أن تبقى الورقة المبلولة في مكانها إلى الأبد. التمثال في هذه اللحظة، في باحة المدرسة، يبدو مضحكاً، وشيء من هيبته قد تبدد بفعل ورقة ضعيفة. يسرّه المشهد، لكنه يخاف أن يتبعه مكروه ما: في المرة الأخيرة التي اكتشفت فيها خيوط "آيس كريم" مجمدة على كتف التمثال، فتحت الطاقة الجحيم، وصبّت حممها على كل من في المدرسة. حتى الناظر، رآه يبكي في الممر المؤدي إلى الحمّام، بعد أن أذلّه الجنود، وشتم أحدهم أمه، فيما كان "يلبطه" بجزمة سوداء، من جلد اصطناعي رديء له رائحة.

لطالما كره جزمة "الأمن"، وكان يصاب بالذعر حين يتشمم رائحتها من بعيد. كبر وبقي هذا الذعر في قلبه، وظلت الرائحة تثير هلعه، لذلك كان يتجنب المرور في "حي المصانع"، حيث تفبرك جاكيتات الجلد، كما كره النفاذ إلى "سوق الكندرجية".

تذكر حالة الغثيان تلك، وصورته ولداً صغيراً في المدرسة، فيما يطالع شريط الأخبار: «أطفال يكسرون التمثال في المدرسـة». تذكـر اليـوم الـذي «غــزا» فيـه مـع رفاقـه المدرسـة، قفزوا من فــوق السور، وتحلقوا حول التمثال المثبت، في الباحة الخارجية، من قبل أن يولد هو، ومن قبل أن يشيب رأس أبيه. بصقوا على التمثال، الذي لطالما ضربوا من أجله، بالوا عليه، لأنهم تعذبوا مراراً بسببه. نطحوه، حفّروه، لطموه، ضربوه، مرغوا الطين على وجهه.. فعلوا كل ما حلموا به. كان يوم عطلة. عيد وطني، والمدرسة خاوية، والحارس يشرب الشاي بعيداً، في كوخ جارته.

لكنهم، قبل المغادرة، دلقوا ماء من دلو، وجففوا التمثال بقمصانهم، خافوا أن يتركوا أثراً، بعدما صاح صبي بينهم: "ربما أخذوا البصمات كما في الأفلام واكتشفوا هويتنا". أعادوا للتمثال هيبته، كما دائماً. في ذلك اليوم الخريفي، كان هو من اقترب من التمثال وأزال ورقة الخريف.

بعيدة جداً بدت تلك الأيام. فرحٌ تسلل إليه: "اليوم عطلة وكل يوم"!

Email