تعويذة لطرد الشبح

ت + ت - الحجم الطبيعي

في كل رواية جديدة، يفتح ربيع جابر بوابات على عوالم زائلة.. باقية. يغوص في تاريخ بعيد، أو قريب، ويعيد ترتيب المكان والزمان، بدقة مؤرخ وحماسة صحفي، وبلاغة راو، ثم تدفق علينا شخصياته، من دواخل أعماقنا وذاكرتنا وخطايانا.. وما نشتهيه. يعيد الروائي اللبناني الشاب، غزير الإنتاج، سرد حكاياتنا، علنا نشفى من فقدان الذاكرة، أو «داء النعامة»، التي تدفن في الرمل رأسها، وتترك على الأرض قدماً واهنة وجسماً غير محصّن ولا محمي.

في روايته الجديدة «طيور الهوليداي إن»، الصادرة عن «دار التنوير»، يرهقنا الكاتب في رحلة صعود ونزول لا تنتهي على سلالم «بناية العبد» (المبرومة)، إحدى البنايات الواقعة في منطقة بشرق مدينة بيروت، عشية اندلاع الحرب الأهلية الوحشية، منتصف سبعينيات القرن الماضي. ولا تنفع تلك الخارطة البسيطة المبنى، التي ضمّنها نهاية روايته، مدللاً على أسماء العائلات التي تقطن الشقق ومواقعها في الطوابق، لكي تنقذنا من لهاثنا وراء مشاهد متقطعة، عما يدور خلف وخارج جدران 17 شقة، تقطنها حكايات الأسى والذكرى، الحب والكره، الخوف والعجز، الوهم والحقيقة.. حياة تتبدل كل لحظة، على وقع أصوات المدافع وشلالات الرصاص، وعناوين الصحف التي تروي أفظع المآسي، من «القتل على الهوية»، إلى حوادث التعذيب والاختطاف والنهب، وحرق الشوارع والمنازل وكل ما افتخرت به بيروت على مدى عقود سبقت الحرب.

عبر بحث فائق الدقة، يعيد ربيع جابر، كما عادته، رسم «ديكور» المدينة، بتفاصيلها الصغيرة، العادية، فلا يفوّت اسم «لافتة» على محل، أو بناية على مفرق طريق، أو روزنامة معلقة في مطبخ.. رغم مرور أكثر من خمسة وثلاثين عاما على الأحداث، يعيد صاحب «بيروت مدينة العالم"، تصويرها، ويبثها لنا بكاميرا.. «لايف»!

ولا داعي للتأكيد على أهمية صدور « طيور الهوليداي إن» (الاسم يحيل إلى فندق شهير في بيروت شهد معارك حربية ضمن ما عرف بمعركة الفنادق) في هذا التوقيت تحديداً، إذ إن شبح عودة الحرب لم يفارق يوماً سماء بيروت ولا لبنان، لذلك تغدو استعادة أسى الحرب ضرورية في كل يوم، كما لو كانت تعويذة قد تفيد في طرد هذا الشبح!

Email