«يا صابرة يانا»!

ت + ت - الحجم الطبيعي

لجرأتها على قول كلمة الحق، فيما الخرس «موضة» جلّ الفنانين، كما صباغ الشعر وطلاء الأظافر ولون الشفاه. خرس في قلوبهم، واجم على وجوههم، يبرق في عيونهم. هي، لديها كل الحجج، كانت، لكي تعتذر عن الضجيج. تتلظى بظلال القاهرة، تتذرع بعملية «طارئة» في لندن أو المالديف (على طريقة يسرا)، لكنها آثرت الكلام. لديها من احتمالات «المصالح» مع النظام ما يجعلها تصدح بمزيد من الأغاني لخدمته، وتذرف دمعة على «الوحدة الوطنية».

وتجاهر مبهورة ببهار الحب الناري الذي لا يجف (على طريقة أمل وسلاف).. لكنها لم تكترث لذلك كله، واختارت أن تكون في صف الشعب الذي أحبها، وصدحت أغانيها من سياراته، على شواطئ اللاذقية المفعمة بعبير الحامض والليمون وعزّ التراب وفرح الأرض. صوتها من هذا العبير، من ذلك الفرح، ومن شوق دمشق، وطرب حلب، وفيه طيبة أهالي الحارات المقفلة عتباتها، اليوم، على الخوف ورائحة الدماء!

تحية لأصالة، ولو متأخرة. لأن الفن، في زمن القتل، قد لا يشغلنا، لكن مواقف أهله تشوّش على أحزاننا، فتصعقنا الخيانات المتتالية، وإن باتت متوقعة، من فنانين رسمنا لهم صوراً في مخيلتنا، تقارب صور البطولة (كم نحن سذّج)، فإذا بهم، في الواقع، وحين تكون البطولة معركة حرية وكرامة.. ينسحبون إلى أدوار ثانوية ذليلة، لا تصلح إلا لضعاف الموهبة والذكاء والعزيمة.

تحية لأصالة، لعزيمتها، التي لم تخنها يوما، فكانت عازمة على القول بصراحة، وعازمة على مطاردة الفرح، وعازمة على إشاعة الفن الراقي، منذ أن حملت لواء جيل يرغب بالتجديد من دون أن يقع في براثن المستهلك والمجاني والرخيص. لا زلت أذكر أن شريطها القيّم «يا صابرة يانا يا مداريّة»، الذي حمل أغاني «لو تعرفوا» و«سامحتك» وغيرها، شكّل جزءاً من يومياتنا، نحن فرقة من جيل شبابي، كان يبحث عن المعنى في قلب المعاصرة.

أخاف على فنانتنا الشجاعة، وأعرف أن مواقفها قد تكلفها (إن لم تكن قد كلفتها) الكثير. لكنني واثق بأن في قلب أصالة قوة بحجم الصدق، وعزيمة بحجم المحبة، ستمكنها من المضي قدما. وجودها هذه الأيام معنا في دبي، لا يمكن إلا أن يكون مدعاة لحفاوتنا!

Email