النسخ المزورة

ت + ت - الحجم الطبيعي

قيل قديماً إن الاختلاف بين الفقهاء، رحمة، وهذا في القضايا التي يمكن الاختلاف فيها، لكن الاختلاف لم يعد يقف عند هذا الحد الآمن، بل ضرب الجذور. يغضبك بشدة أن ترى هذه النسخ المتداولة من تأويلات الإسلام ويريدون إقناعنا أن جميعها نسخ صحيحة ولم يتم العبث بتأويلاتها لا في جذورها ولا في مخزونها من الكتب، برغم أننا نعرف جميعاً، أن مغالطات كثيرة تسربت إلى الكتب التاريخية، بوسائل مختلفة، والمشكلة ليست في الإسلام بنسخته العظيمة النورانية، المشكلة في خبراء التأويل وتحليل النصوص..

والإسقاط التاريخي والانتقائية، إذ ينتجون هنا نسخة مزورة وفقاً لاجتهاداتهم الشخصية، ويقنعون العامة أن هذه هي النسخة الأصلية. اليوم، يريد المنتمون للقاعدة أن يقنعوك أن النسخة التي يعتمدونها هي النسخة الأصلية من الإسلام، ومقابلهم تأتيك داعش وجماعات سياسية وفكرية أخرى لها بداية وليس لها نهاية، من الصوفية مروراً بالسلفية وصولاً إلى بقية العناوين التي تتصارع اليوم. الكل يدعي أن النسخة التي يعتمدها هي النسخة الأصلية..

والمفارقة هنا أن كل هذه الجماعات لا تتفق مع بعضها البعض، بل تحارب بعضها البعض، فإذا كانت النسخ التي بين أيديهم كلها من منبع واحد فلماذا تتدفق علينا تأويلات مختلفة للنصوص، وبالتالي أحكام أخرى متضادة بشأن الحياة ودورك فيها، وموقفك من بقية الأمم وغير ذلك من تفاصيل. هذا ليس اختلاف رحمة، فالذي تقبله هذه الجماعة تحرمه الجماعة الأخرى، والذي تشرعنه هذه الحركة أو التنظيم تحرمه حركة أخرى..

وهذا ليس اجتهاداً كما يظن كثيرون، إذ انه حال يقود إلى التناحر، وعدم التوافق على مبدأ أو فكرة، ولدينا أدلة لا تعد ولا تحصى على مواقف متضادة لا تتفق عليها هذه الجماعات، بشأن قضايا عدة، وبعضهم يريد قتل المسيحي، باعتباره كافراً، وآخر يرفض القتل ويقبل الجزية، وثالث يرى أن المسيحي شريك في المواطن ولا يجوز مسه، والقصة تنطبق على كل تفاصيل العلاقات مع السلطة وبقية المواطنين، من أعراق ومذاهب..

وتمتد إلى التباينات حول العلاقات مع بقية البشر. كل هذا يقول إن النسخة الأصلية من الإسلام مختطفة، نسخة الكرامة والرخاء والإحسان إلى الآخرين، تلك النسخة التي أفلح كثيرون في إبعادها لصالح إحلال نسخ مزورة تتصارع اليوم، ويدفع المسلم وحيداً ثمن الفروقات فيما بينها. هناك حاجة لاسترداد النسخة الأصلية البهية من الإسلام، وهذا لا يكون بالكلام فقط، بل عبر جهد سياسي وفكري خلاق ينقي بصائر البشر ووجدانهم من كل هذه الشوائب التي تم إلصاقها ظلماً بالدين، فصارت محركاً أساساً لكل هذه الفوضى الدموية.

 

Email