تلكؤ غير مبرر

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما بين الـ»بوعزيزي« ومحمد أبوخضير، مسافة إرادة في مواجهة انقلاب مرعب للمنطق وللموازين، حتى ليخيل للمرء أننا نعيش في منطقة تخضع حتى العظم للتحكم عن بعد، وفق مسارات محددة. شرارة البوعزيزي أطلقت شهب الاحتجاجات المطلبية العربية، التي سرعان ما اتخذت لبوساً مخططاً لم يستطع أن يخفي خريف العرب المتلطي خلف تسمية »الربيع العربي«، بينما الطفل الفلسطيني أبوخضير يختطف ويعذب ويحرق حياً حتى العظم، دون أن تنطلق الشرارة إلى خارج الأراضي الخاضعة للاحتلال الوحيد على الكرة الأرضية.

طفل فلسطيني يقتل كل ثلاثة أيام، تقول الإحصاءات، ناهيك عن مئات المعتقلين والمنكل بهم صبح مساء، ممن أجبروا على مغادرة طفولتهم نحو الرجولة، بينما في حالة أبوخضير فنحو الكهولة مباشرة، إذ لا يمكن لأي وجدان أن يبقى سليماً وهو يتخيل لحظات الرعب التي مر بها في دقائقه الأخيرة فوق التراب. الغريب هنا أن طفلاً آخر ابن عم الشهيد، تعرض لتعذيب بشع ورمي رهن الاعتقال، وهو يحمل الجنسية الأميركية، دون أن تحرك الدولة العظمى ساكناً، في حين لو حدث ذلك في دولة عربية مثلاً لتحركت كراسي ومناصب من أماكنها، لكن في الحالة الإسرائيلية لا عتب بين الأحباب حتى لو سال الدم، وما زالت في الذاكرة حالة الأميركية راشيل كوري التي سحقتها الجرافات الإسرائيلية في غزة.

لا نعتب على الغريب في مآسينا ان كان الأقربون بعيدين عن ملامسة الجرح النازف حتى من شاشات »كأس العالم«، فاقترن الحزن على كسر ظهر النجم البرازيلي نيمار، بلوعة محمد أبوخضير ورفاقه ومشاهد استحضار ملامح انتفاضة شعبية جديدة في فلسطين.

صحيح أن الرئيس محمود عباس كان دقيقاً في إعلان رفضه لأي »انتفاضة مسلحة«، وهو محق بالنظر إلى موازين القوى وما حدث في الانتفاضة الثانية، لكن التنسيق الأمني »المقدس« يبقى تسللاً من وراء الوعي الفلسطيني العام بضرورة عدم مد العدو بمعلومات تختصر أيام قتل الأطفال الفلسطينيين.

الرئيس والسلطة لا يتحركان رغم أن الفرصة سانحة، فالمعركة التي ترجح كفة موازين القوى للفلسطينيين هي المستوطنات، وهو ما يفسر هبوب العالم التضامني مع الفلسطينيين في وجه همجية وفاشية قطعان المستوطنين، ما يفترض أن يكون تحرك السلطة الفلسطينية متقدماً على هذه الهبة العالمية لا متخلفاً عنها بقرون، وأن تكون الهجمة الدبلوماسية موازية للتحرك الشعبي، حتى لا تصبح السلطة من باب ما لا لزوم له، ما يفسح المجال لقوى أخرى لا قبل لهذا الشعب المكلوم بتحمل المزيد من أعباء تطرفها.

Email