احتلال بلا ثمن

ت + ت - الحجم الطبيعي

 ثلاثة فتية اختطفوا في منطقة الخليل في الضفة الغربية، غيروا قوانين الصراع وسقوفه في زمن قياسي. تلك رواية الاحتلال الإسرائيلي، بوصفه «ضحية تاريخية»، حيث الفتية هؤلاء مساكين لا تاريخ لهم سوى الخدمة العسكرية، أحدهم كانت صورته ببزته الخشنة وهو يعتقل أطفالاً فلسطينيين، مثار تندر في مواقع التواصل الاجتماعي، بل إن هؤلاء الثلاثة اختفوا في أكثر مناطق تغول وتوغل المستوطنين في الضفة.

بالتأكيد أثارت هذه الحادثة استهجاناً كبيراً، حتى بين أهل الضفة الغربية نفسها، لقناعة جمعية لديهم باستحالة تنفيذ مثل هذه العمليات في الضفة الغربية المرصودة بالمتر من قبل عيون الاحتلال، وفي الذاكرة محاولات عدة لخطف جنود أسفرت عن إبادة الخاطف والمخطوف برصاص إسرائيلي، كإعلان تحذيري، فضلاً عن صعوبة إخراج المخطوف خارج قبضة الاحتلال.

مصدر الشك الأكبر في الرواية الإسرائيلية عن قصة الخطف هذه هو توقيتها، بمعنى بدء عجلة المصالحة الوطنية الفلسطينية، وبالتزامن مع تصاعد معركة الأمعاء الخاوية «ماء وملح» للأسرى، وتأثيراتها العالمية المتوافقة مع موجة مقاطعة دولية للمستوطنات وبضائعها هي الأكبر منذ بدء الصراع، وهي على هذا تبدو ..

كما لو كانت اجتراراً ممجوجاً للعبة الصهيونية التاريخية، الخاصة بالتخفي في زي الضحية الأبدية، وتصوير المستوطنين كونهم كائنات مستكينة ومحاطة بوحوش متأهبة. غير أن أوضح نتيجة لسيناريو الخطف، كانت ببساطة إعادة احتلال الضفة الغربية بكل مناطقها، سواء المصنفة «أ» أو «ب» طبقاً لاتفاق أوسلو، بحجة البحث عن المخطوفين.

في المقابل، لا يمكن استبعاد وجود أطراف أخرى فاعلة في الصراع، ترفع شعار إطلاق الأسرى بالتبادل كونه سبيلاً وحيداً لحريتهم، وقد تكون لها ارتباطات خارجية لا تمانع في ضرب المصالحة الفلسطينية وإعادة الصراع برمته إلى المربع الأول، إزعاجا لـ«المخططات» و«الأجندات» المرسومة للمنطقة.

في المحصلة، الضفة الغربية تحت الاحتلال مجدداً، فماذا تنتظر السلطة الفلسطينية لرد الملف إلى الأمم المتحدة، وإعلان انتهاء صلاحيتها قانونياً، وترك القضية مرة أخرى كونه شعباً يخضع لاحتلال آخر وعليه تحمل مسؤولياته المدنية تجاهه، وعلى العالم تحمل مسؤوليته أيضاً!

أو أقله، إعلان وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، بل ووقف كل استحقاقات أوسلو، واللجوء إلى تفعيل انضمام فلسطين إلى المنظمات الدولية، لجر إسرائيل إلى المحكمة الجنائية الدولية. في كل الأحوال، لا بد من تحرك فلسطيني منفرد أو مشترك مع الأطراف العربية الفاعلة، لوقف مهزلة احتلال إسرائيلي مباشر للمناطق الفلسطينية، من دون أن يكلف الدولة العبرية أي ثمن.

Email