ثمن المصالحة

ت + ت - الحجم الطبيعي

ضمن إعادة صياغة المفاهيم وعولمتها، باتت الساحة الفلسطينية على ما يبدو مغرمة بالتسجيل الإعلامي أكثر منها بالإنجاز الوطني، وما أحداث الأسبوع الماضي في غزة إلا تعبير واضح عما يراد من وراء المصالحة. قلنا في السابق إن التقاء الطرفين المأزومين مهد للمصالحة، فالسلطة الفلسطينية بأوراقها التفاوضية الشحيحة وضغوطها الخارجية الهاصرة، تلتقي مع حركة «حماس» المحاصرة بأفول جماعتها الأم (الإخوان المسلمين)، فضلاً عن تجفيف مواردها المالية الإيرانية بعد موقفها من الأزمة السورية، وبما أن المصالحة بهذا المفهوم هي طوق نجاة للطرفين.

فالأولى بهما الاستعداد التام لدفع تنازلات من أجل إتمامها، بل وإنجاحها، فيقوى بعض أوراق السلطة المستندة إلى وحدة داخلية صلبة، وتتوافر لـ«حماس» الفرصة لإعادة تسويق نفسها في المنطقة، ربما بحلة جديدة منفصلة عن إرثها الإخواني.

لكن ما جرى في قطاع غزة يشف عن وجود قوى لدى الطرفين، بنسب متفاوتة يزيد منسوبها لدى «حماس»، تستفيد مصلحياً من حالة الانقسام، وتدافع عن أفقها الضيق في وجه الوحدة الداهمة، ولا سيما أن سياق الانقلاب وما تلاه من انقسام يستتبع حكمة وأناة في حلحلة تعقيداته، وليس آخرها عشرات آلاف الموظفين الذين أضافتهم «حماس» إلى تكدسات البطالة المقنعة والجهاز الوظيفي الحكومي المتضخم، هؤلاء لم ينتظروا مخرجات اللجنة المشكّلة لهذا الغرض، بل مثلتهم القوى الأمنية المتطرفة في القطاع، عبر إغلاق البنوك وعدم السماح لبقية الموظفين بتسلم رواتبهم وفقاً لـ«عليّ وعلى أعدائي».

وبالكاد تستطيع السلطة الفلسطينية توفير مرتبات الموظفين شهرين متتاليين، حتى تنضم إليهم جحافل جديدة عينتهم «حماس» إحلالاً لغيرهم، واستئثاراً بالسلطة، وتطمح إلى تصدير أزمتها المالية، مع احتفاظها بمداخيل القطاع من رسوم وجمارك تمول بها التشكيلات العسكرية والأمنية التي بقيت في منأى تام عن الأزمة التي ضربت المواطن الغزي المتعب.

بالتأكيد، ما بني على عجل سيعاني عيوب العجلة، وفي مقدمتها عدم الاستناد إلى قرار عربي واسع يدعم المصالحة ويتولى تمويلها، شريطة ألا يصل التمويل هذا إلى الميليشيات المسلحة المتناسلة بغزارة في القطاع الذي بات في أمسّ الحاجة إلى المشاريع والتنمية، وليس إلى غابات البنادق المنفلتة. مرة أخرى، على «حماس» دفع الثمن للنجاة بالمصالحة، والرهان على مصر الجديدة في قيادة الدفة، وعلى القرار العربي الجامع بالتمويل، منعاً لتسللات من هذا الطرف أو ذاك، وضخ الأموال في القطاع إحياء لذات الأجندات التفتيتية.

Email