ضريح قومي

ت + ت - الحجم الطبيعي

 مطابقة نماذج عربية كثيرة على صعيد الحكم أو الزعامة، لا تختلف عن تلك المطابقة التي قد يجريها المرء، بين أحزاب وتنظيمات، لأن المشترك بين الجهتين، في هذه الحالة تحديداً، يتعلق بالشعار غير القابل للتسييل. يتحول الشعار هنا إلى أنشوطة تشنق أي داخل عربي، أو وسيلة لإدامة أزماته، وتخليقها في حالات متنوعة، وكثيراً ما كان الشعار غير القابل للتطبيق، على مستوى الدول والأفراد والجماعات السياسية، سبباً في نحر دول ومكوناتها.

في تجارب عدة لزعماء عرب، اتسمت شخصياتهم بالكاريزما القيادية، أو ملاحقة شخصياتهم لشعارات الشارع، بحثاً عن بطل، كان النتاج الإجمالي خراباً في خراب. الكاريزما المؤيدة بشعار وبتصفيق الجمهور، لم تطفئ الشعور بالنكسة حال ثبوت أن الشعار كان وهماً تمت صناعته ورفع التوقعات بشأنه، في اتكاء على الغريزة قبل العقل.

النجم قد يتألق في فنون أخرى، فيما النجم في السياسة قد يهوي وينتثر، والمفارقة هنا أن المآخذ على الزعماء الذين قامروا بدولهم في عهود مختلفة، بخفة عز نظيرها، دون حساب للقدرة وللجوار ولحسابات العالم، وهي مآخذ تأسست من ناقدين حزبيين وسياسيين ومراقبين ومنافسين، ومن جماعات خاصمت هذه الأنظمة، مآخذ تجددت على من كانوا يطلقونها على غيرهم. السبب في ذلك بسيط، فعدوى الشعار والتلاعب بالجمهور، ورفع سقف التوقعات، أمر لم يعد حكراً على الأنظمة الشمولية، أو على القادة المتورطين في عقدة البطل أو الزعيم الممتد قومياً، بل استنسخت الجماعات السياسية، ذات التجارب التي كانوا ضحية لها.

نرى في سنين الربيع العربي، التي أعادت العالم العربي ألف عام إلى الوراء، نسخاً مباشراً لشعار مقابل شعار، كاريزما مقابل كاريزما، وجمهوراً جاهزاً للالتحام بالشعار وصاحبه. الجمهور في الحالتين كان يؤدي المهمة ذاتها، تارة في حضن قائد يقامر ببلد مستقر، وتارة في حضن حزب أو جماعة تستخدم التوظيفات ذاتها، تحت عناوين مختلفة، من أجل استقطاب الجمهور واستعماله حطباً في موقد الوصول إلى السلطة.

علينا اليوم أن نعيد الكلام مثنى وثلاث ورباع، حول أن الجمهور تجب عقلنته في مرات كثيرة، والتخفيف من حدة شعاراته، فهو لا يريد إلا الشعار، ولا يقبل إلا التطبيق، ولا يعرف كلفة ذلك عليه، ولا على بلده! لا تأتينا كارثة كبرى إلا خلفها رمز مقامر مع جمهور بلا ضوابط، وهذا أسوأ أنواع الزيجات السياسية، التي تقودنا إلى ضريح من رخام، لا ينطق ولا يستطيع قياماً، ولا يستقبل الزائرين أيضاً.. ما أكثر الأضرحة في العالم العربي.

Email