الجائزة الكبرى

ت + ت - الحجم الطبيعي

يطيب للعقل العربي الاستسهال في الأزمات، حيث لا عقل بارداً ولا قلب حامياً، بل عصبيات وانفعالات تستبيح حتى المسلمات، من مثل اختصار الأزمة السورية في عارض طائفي تمثله حمص كبؤرة سنية في محيط علوي، وما يتبع من استحضار أحداث تاريخية دينية أو سياسية، وربطها بخروج بضع عشرات من مقاتلي المعارضة من المدينة المحاصرة.

بالطبع لا يمكن إغفال مسؤولية نظام بشار عن الحشد الطائفي منذ سرق الرصاص الثورة السلمية، بدلالة رسم الخريطة القتالية على أساس التطهير الطائفي، لتأتي المجاميع الأصولية فتكتمل دائرة النار والسعار. غير أن حمص ليست أكثر من رمز لضياع البوصلة في سوريا، حتى عادت المسلمات مختلفاً عليها: نظام سوري يوغل في الخديعة، ومعارضة خارجية توغل في الفضيحة.

نظام بشار الأسد يتصرف كما لو أنه يُحكم قبضته على مصير سوريا عسكرياً وسياسياً، متغاضياً عن أنه بات نظام حكم منهكاً عسكرياً ورثّاً سياسياً، فمقومات صموده حتى اللحظة تعتمد تماماً على الحبل السري القادم من الخارج، ومتى ما انقطع (بصفقة ما) انهار من فوره.

أما على مقلب المعارضة التي باتت لا تدري أي منقلب ترمي حيرتها عليه، فإن التشرذم السياسي سمة تلاحقها، منذ اختفت تنسيقيات الثورة لمصلحة الجيش الحر الذي يعيش بدوره على نقاط الإمداد الخارجية التي باتت تحدد مسار أدائه العسكري ومجريات المعارك.

فإذا كانت قوة أي حركة سياسية تستمد من قواعدها الداخلية، فإن بقايا الجيش الحر فقط هي ما يسند الائتلاف المعارض في الخارج، وهذا بدوره يعاني أكبر مأزق ببقائه رهن الأوامر والإمكانيات، التي تدفعه تارة إلى الخلف تماماً تحت اجتياح «الجبهة الإسلامية»، وتارة يحاصر وتنتزع أنيابه من «النصرة» أو «داعش».

 وكلما التقط الجيش الحر أنفاسه وامتلك بعض معدات عسكرية وبدأ تحقيق إنجازات على الأرض، تنشف نقاط مدده ويعود إلى الوراء مجدداً! إذاً، سوريا المنكوبة حقاً تعيش بين مأساتين متوازيتين: نظام مهترئ، ومعارضة تائهة. ولا شيء في الأفق سوى المزيد من الغموض والدمار.

أين كلمة السر؟

المسألة ليست بحاجة إلى عظيم تمحيص، فتش عن ميزان الربح والخسارة: أميركا والغرب بالتأكيد في مأمن حتى من المس بمصالحهم في المنطقة. روسيا تلعب في منطقة الاطمئنان وحلم «الاتحاد الأوراسي» ولم تخسر شيئاً. إيران كالعادة تقاتل بغير جنودها وعلى غير أرضها فلا تخسر، وإسرائيل تفوز بالجائزة الكبرى: لا سوريا بعد اليوم.

Email