الرباعية الدولية

ت + ت - الحجم الطبيعي

مرة أخرى عاد الاشتباك بين الإدارة الأميركية، ممثلة برأس حربتها الدبلوماسية وزير الخارجية جون كيري، والحكومة الإسرائيلية بتركيبتها اليمينية الحادة القابض على دفة التطرف فيها رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو.

موضوع الاشتباك الجديد هو تحميل واشنطن لتل أبيب مسؤولية تعطل المفاوضات مع الفلسطينيين، بعد تسعة شهور انتهت مهلتها مطلع الشهر الجاري. سبق هذا الاشتباك تسخين مستغرب من قبل إسرائيل و«اللوبي» الداعم لها في الولايات المتحدة (أيباك)، الذي شن هجوماً عجيباً على كيري، إثر تسريبات حذر فيها الأخير من أن إسرائيل تغامر بتحولها إلى دولة فصل عنصري، إذا ما استمرت في نهج إفشال مسار السلام.

مصدر العجب هنا أن كيري لم يجترح معجزة في هذا التحذير، إذ سبقه إليه رئيسا وزراء إسرائيل السابقان إيهود باراك وإيهود أولمرت في حقبتين مختلفتين، فكلاهما حذر من أن فشل حل الدولتين سيحول إسرائيل إلى دولة فصل عنصري، على أساس أنها ستستمر في احتلال أرض دولة أخرى وإخضاع شعب آخر لسلطتها الأمنية والعسكرية. هذه المفاهيم تزداد ثقلاً على الأرض مع مواصلة السلطة الفلسطينية محاولات الانضمام إلى المعاهدات الدولية، وآخرها خمس اتفاقيات تتعلق بحقوق الإنسان، بوصفها الجديد كعضو مراقب في الأمم المتحدة، ما ينقل الصراع في أروقة المنظمة الدولية إلى دولة تحتل دولة أخرى، حتى وإن كانت بصفة مراقب.

طبعاً تبريرات الإدارة الأميركية لإفشال إسرائيل للمفاوضات، تتركز في إطلاقها غول الاستيطان في الضفة الغربية والقدس، خلافاً لالتزاماتها في بداية المفاوضات. لكن ما ظهر من النوايا الإسرائيلية المبيتة للهروب من استحقاقات اتفاق السلام، يؤكد النهج المتطرف بإعلان نتانياهو وقف المفاوضات هذه، بحجة اتفاق المصالحة بين السلطة وحركة حماس. وبما أن الأخيرة مصنفة إرهابية أميركياً، فإن إدارة باراك أوباما تتجاهل هذا التبرير، وتركز على الاستيطان الذي يقضي على خطتها هي، لصعوبة تطبيقها حتى لو تم التوصل إلى اتفاق.

ليس بمستغرب أن تظهر إسرائيل حتى أميركياً - على حقيقتها الرافضة للسلام، ولا سيما أن «الربيع» خلّف معسكراً عربياً مهلهلاً بلا أنياب، في موازاة صعود قوى التطرف إلى مواقع القرار الإسرائيلي، واستحكامها تماماً مدعومة بقوة اقتصادية وسياسية راسخة قادمة من أوروبا الشرقية.

وهنا مربط الفرس، الذي تتبدى فيه ملامح تأثير روسي ولو عن بعد في عملية السلام، الأمر الذي يستدعي فلسطينياً إعادة تقييم التجربة والقوى المؤثرة في هذه العملية، والإصرار مجدداً على إحياء اللجنة الرباعية الدولية، التي تضم روسيا والاتحاد الأوروبي، فلربما انشغال إدارة أوباما في القضايا الداخلية، كالتأمين الصحي ونظام الضرائب وتخفيف العجز الضخم، خلّف فراغاً وضعف تأثير حتى على إسرائيل، فتقدمت قوى أخرى كموسكو لملء هذا الفراغ. هكذا هي السياسة؛ حساب كل الاحتمالات بلا استثناء.. واستثمارها.

Email