مصالحة جديدة

ت + ت - الحجم الطبيعي

تجهمت قسمات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، وقرر قطع المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، فور إعلان اتفاق المصالحة بين منظمة التحرير الفلسطينية وحركة حماس في غزة، وهو الحدث الثاني غير السار لإسرائيل في ظل «الربيع العربي»، بعد تدخل الجيش المصري وقطع الطريق على مخطط جماعة «الإخوان» لتقسيم مصر.

بالتأكيد هو حدث استثنائي في زمن التشظي العربي، أن يتوحد الفلسطينيون خلف سلطة واحدة، لمواجهة الضغوط الأميركية - الإسرائيلية لقبول بنود اتفاق سلام مجحفة، تدفن الثوابت الفلسطينية في الدولة والعاصمة وعودة اللاجئين، لكن العامل الأهم هنا، هو الدعم الجماهيري لاتفاق المصالحة الأخير في غزة.

وحدة الموقف الفلسطيني لا تعني اتفاق «فتح» و«حماس» فقط، بل هي، على أعتاب المرحلة المصيرية الراهنة، توحد القيادة والشعب حول ثوابت القضية المركزية في الشرق الأوسط، وهو ما ظهرت مؤشرات سلبية تشكيكية فيه لدى الرأي العام، استناداً إلى تجربتي اتفاق فاشلتين في القاهرة والدوحة، قبل نحو ثلاثة أعوام.

صحيح أن لدى الجانبين (السلطة وحماس) مصلحة في الاتفاق الجديد، للخروج من ضائقتيهما: الأولى ضعف الموارد، والتواصل مع الشعب، والحصاران العسكري الإسرائيلي والسياسي الأميركي، والثانية اشتداد العزلة والعوز المالي، وقبضة الحكم المتشددة في قطاع غزة، وما يقابلها من عوامل انفجار شعبي. لكن رب ضارة نافعة، والدوافع تصبح هامشية إن أتت النتائج بثمار إيجابية.

بيد أن الأسئلة ما زالت تحوم في الوعي العام الفلسطيني، عن سهولة وسرعة إتمام هذا الاتفاق دون الإجابة عن الأسئلة المصيرية والمعيارية لنجاحه من فشله. أول هذه الأسئلة يتعلق بتشدد «حماس» السابق تجاه الاستئثار بأغلبية المجلس الوطني الفلسطيني، الذي يمثل الشعب في الداخل والشتات، وما يستتبع ذلك من صعوبة إجراء انتخابات ديمقراطية لهذا المجلس في كل أماكن تواجد الفلسطينيين..

وهو ما يحتم اللجوء إلى أسلوب المحاصصة، الذي يصطدم بنهم «حماس» للسلطة. ثاني الأسئلة حول شروط نجاح الانتخابات التشريعية والرئاسية، بعد ستة شهور من تشكيل حكومة الوفاق الوطني، الأمر الذي ظلت «حماس» ترفضه بإصرار، وتتمسك بالمجلس التشريعي الحالي الذي حازت قصب السبق فيه، وما إذا كانت إسرائيل المعادية للوحدة الفلسطينية، ستسمح بحرية إجراء ها الانتخابات في الضفة الغربية والقدس الشرقية. ثالث الأسئلة يتعلق بالتدخل الخارجي الذي لطالما كان العامل الحاسم في المسيرة الفلسطينية..

فالضغوط الأميركية بالتأكيد ستشتد على سلطة الرئيس محمود عباس، وفي المقابل ستنشط أطراف عربية تجاهر بدعمها المطلق لـ«الإخوان المسلمين»، للتأثير في «حماس»، ووضع العراقيل أمام تنفيذ الاتفاق. إذاً، التنفيذ هو المحك، لكن العامل الأكثر تأثيراً في نجاح المصالحة الفلسطينية، هو الضغط الجماهيري ومشاركة قوى المجتمع الفاعلة، لإجبار المتخاصمين على التخلي عن الأجندات الخارجية، وشغف الاستئثار بالسلطة.

 

Email