ألاعيب الفضاء

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما كان وزير الخارجية الأميركي جون كيري يخوض مجهداً، أمام لجنة في الكونغرس، في تفاصيل مسار المفاوضات الفلسطيني- الإسرائيلي، ملقياً اللوم بدبلوماسية راجفة على إسرائيل وقرارها بناء 700 وحدة استيطانية في القدس، وما آل إليه ذلك من توقف المفاوضات، كانت إسرائيل مشغولة في ساحة أخرى، هذه المرة في الفضاء.

قبل أسبوع بالضبط أعلن عن إطلاق قمر إسرائيلي جديد لأغراض التجسس يدعى «أفق 10»، مهمته الصريحة ومن دون مواربة «مراقبة كل ما يجري في إيران». ينضم هذا القمر إلى سابقه «أفق 9»، ليعملا معاً على تقصير مدة تحديث البث الملتقط إلى أقل من 90 دقيقة. طبعاً يمكن ملاحظة أن أقمار التجسس الإسرائيلية تطلق إلى الغرب دوماً، أي عكس حركة دوران الأرض، وذلك لمنع سقوطها في «أرض معادية».

هذا يذكر بنحو ست سنوات مضت، حين أطلقت إسرائيل قمر التجسس «أفق 5»، وكان وزير حربيتها حينها شاؤول موفاز، يترقب أولى صور القمر، حتى إذا ما بدأت بالوصول التقط إحدى هذه الصور القادمة من أحد أحياء العاصمة الإيرانية طهران، التي كان يسكنها قبل هجرته إلى «أرض الميعاد»، فصرخ مشيراً إلى رجل عجوز في الصورة «لقد عرفته، هذا كان جارنا». وقد نشرت هذه الحادثة في الصحف العبرية للتدليل على مدى دقة الصور التجسسية!

إذا كانت دقة «أفق 5» كهذه، فما البال في «أفق 10»؟ بالتأكيد لا يمكن الركون إلى صحة كل ما تعلنه إسرائيل عن منجزها التكنولوجي، فهو لا يخلو من استحقاقات الحرب النفسية، ودفع المناوئين إلى اليأس من إمكان «التوازن الاستراتيجي» في العدة والعتاد، في ظل فضاء إلكتروني مفتوح تماماً على نقل التكنولوجيا، ولكنه في الوقت نفسه أشبه بناقوس خطر ينبهنا إلى ضرورة النظر إلى الفضاء. هذا الفضاء غير معد لأقمار التجسس فقط، بل هو مرتع لمعارك أخطر، أداتها الشبكة العنكبوتية «السايبر».

بحسب التقارير الغربية، تمكن فيروس إلكتروني من تعطيل جزء مهم في البرنامج النووي الإيراني، قبل أن تنتبه طهران إلى الخطورة الفضائية هذه، فعكفت منذ العام 2013 على تطوير منظومتها الدفاعية الإلكترونية، بعد بلورة شبكتها الداخلية المستقلة عن الشركات العالمية، ومن ثم البدء بهجمات القرصنة «هاكرز» التي نجحت في إصابة مواقع مؤسسات مصرفية وطاقة في الولايات المتحدة الأميركية، بحسب الاتهامات الإسرائيلية التي ربطت هجمات إلكترونية، استهدفتها بحليف إيران في العالم الافتراضي «الجيش السوري الإلكتروني».

إذاً، تشعبت المعارك واتخذت وسائل أكثر تعقيداً من البندقية، وباتت فيها القوة تقاس بالمحتوى الحضاري والتكنولوجي، ولا يفترض أن تصرف الفلسطينيين ألاعيب إسرائيل التفاوضية عن مشروعهم البحثي العلمي في جبال نابلس، الذي غفا في الأدراج.

 

Email