معضلات مجتمعة

ت + ت - الحجم الطبيعي

لطالما كانت القضية الفلسطينية مركزية في الشرق الأوسط، وتتجلى مركزيتها راهنا في كونها مؤشرا على الحراك العام في المنطقة، فها هي تعود مجددا بسخونتها إلى الشاشات وواجهات الحدث، ما يؤشر إلى نهاية حقبة "الربيع العربي"، وما تبقى منه فقط لملمة الأوراق الساقطة أو انتظار الجاف منها وما زال متعلقا بالغصن.سخونة القضية الفلسطينية تتبدى أكثر في العروق النافرة والمتوترة على أبواب استحقاق الثامن والعشرين من إبريل الحالي..

وهو الموعد الذي علق عليه وزير الخارجية الأميركي جون كيري الآمال العريضة لتحقيق اختراق هو إنجازه الأبرز، إن لم يكن الوحيد، في ظل موجات داخلية انتخابية مناكفة، تعزف على وتر الفشل الخارجي في غير ملف، هو يضغط ويساوم من أجل "تتويج" تسعة شهور من المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، باتفاق طال انتظاره إلى حدود فاضت عن الاحتمال.

المعروض على السلطة الفلسطينية أقل مما عرض عليها إبان مفاوضات كامب ديفيد قبل نحو عشر سنوات، في حقبة الرئيس الراحل ياسر عرفات، وكان خطاب الرئيس محمود عباس الأخير كافيا لفهم ذلك، بإعلانها صريحة "أنا في أواخر السبعين ولن أختم حياتي بخيانة"، وبالتالي فإن حلم كيري بالتوقيع تبخر، ما لم تحدث مفاجأة اللحظة الأخيرة، التي قللت حكومة بنيامين نتانياهو من فرصها برفض إطلاق الدفعة الرابعة من الأسرى..

وما قابل ذلك من مضي السلطة الفلسطينية في طلبات استكمال الانضمام إلى كل الهيئات والاتفاقات الدولية، بعد حصول فلسطين على مقعد عضو مراقب في الأمم المتحدة. سلطة الرئيس عباس تعمل عقليتها السياسية في اتجاهين: داخلي وخارجي. أما الخارجي فتلعب فيه الورقة الوحيدة المتبقية لديها: اقتحام الهيئات الدولية حتى الوصول إلى وضعية "دولة إسرائيل تحتل أراضي دولة فلسطين"، ولا مندوحة ساعتها عن الفصل السابع في مجلس الأمن.

أما الداخلي وهو الأصعب، فيدور مجهود الأحاييل السياسية المشروعة باتجاهين: حركة فتح وحركة حماس أيضا.

ما يفسر إصرار الرئيس الفلسطيني على إطلاق الدفعة الرابعة من الأسرى وعلى رأسهم مروان البرغوثي، هو الضغط الذي بدأ يستشعره من الخصم الجديد محمد دحلان، الذي يمتلك قواعد تنظيمية صلبة في "فتح" ترجح فرص فوزه في أي انتخابات حركية أو تشريعية، وتاليا لا سبيل لمواجهته إلا بمروان البرغوثي، الشخصية "الفتحاوية" الأبرز من حيث الجماهيرية.

أما على الجبهة "الحمساوية" فيجري البحث في ما اقترحه كبير المفاوضين صائب عريقات، من تشكيل لجنة تنفيذية جديدة لمنظمة التحرير الفلسطينية تضم "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، تفرض سلطتها على جناحي الوطن (الضفة الغربية وقطاع غزة)، وتوفر مظلة موحدة للمفاوض الفلسطيني، وبذلك يتم تجاوز أهم نقاط الضعف المتمثلة بالانقسام.

هي بالتأكيد معضلات مجمعة تحول دون الطريق الممهدة للسلطة الفلسطينية، في ظل تراجع دور الجامعة العربية، والغياب الغريب للجنة الرباعية الدولية، لكن لا بديل عن تفكيكها.

Email