الحصاد المر

ت + ت - الحجم الطبيعي

حصاد يماثل الحيرة التي يعيشها ملايين السوريون تجاه ما يحدث على أرضهم، بعد ثلاث سنوات من كتابة مجموعة من أطفال درعا «عليك الدور.. يا دكتور»، قبل أن تقتلع أظفارهم فتهدر أمواج بالحرية التي التبس مفهومها.

الدكتور ما زال الدور لم يصله، وهو على كرسيه تحفه قوى طائفية منيعة العدد والعدة، فضلاً عن اصطفاف إقليمي دولي يصل إلى البحر الأسود.

جيشه ما زال يبطش بفنون قتل مستحدثة ليس آخرها «البراميل المتفجرة»، بينما جنرالاته يرسمون على خرائطهم العسكرية جغرافيا جديدة لسوريا على أسس عرقية وطائفية، ويستشرسون في الإبقاء على ممر علوي لبناني نحو ومن العاصمة دمشق، ولا يلقون بالاً لبقية المناطق التي وقعت جزافاً في يد المعارضة.

وهذه المعارضة هي مكمن الغرائبية المتفردة: في البداية جموع جماهيرية ترفع شعارات مطلبية، سرعان ما تسللت إليها بنادق ليلية، وبين عشية وضحاها استبدلت «التنسيقيات» بكتائب مسلحة بألف عنوان واسم، حتى اصطلح بعد عناء على إطار جامع دعي «الجيش الحر»، وهذا يكاد يكون الضحية الثانية للفوضى السورية المجنونة، بعد الشعب ومستقبل الوطن السوري.

تعرضت قيادات هذا الجيش لتغييرات وتبديلات وخيانات، كانت هذه الأخيرة تركية الطابع بعد تسليم أول قيادي لهذا الجيش اللاجئ إلى حمى إسطنبول، لجيش النظام، ثم بتر ساق آخر كان دعا إلى استقلالية قرار هذا الجيش، ثم ما لبث أن ظهرت كتائب إسلامية جردته من السلاح.

كل ذلك في تلازم مع دخول المجاميع الأصولية الخارجية إلى الساحة السورية بتشكيلاتها العسكرية، بدءاً بـ«جبهة النصرة» ووصولاً إلى «داعش»، وهؤلاء جعلوا مفهوم الحرية (شعار الثورة السورية الأول) ملتبساً ومدعاة للندم، فالتطبيق الجزافي للشريعة في مناطق سيطرتهم من دون قضاة فقهاء ولا مرجعيات دينية يعتد بفتاواها، دفع بالكثيرين ممن اكتووا بنارهم إلى الترحم على أيام النظام.

دخول مضاد لحزب الله اللبناني وفيلق القدس الإيراني ولواء العباس العراقي، كان لعجز قوات بشار الأسد في معارك مصيرية أهمها القصير في حمص، بغية إيجاد «حزام أمني» للمنطقة العلوية، وحالياً، المعركة الثانية من حيث مصيريتها في القلمون، لتأمين التواصل الجغرافي مع مناطق نفوذ حزب الله في لبنان.

إذاً، معارك وحروب وفوضى مجنونة، كانت النتيجة الأبرز للسنوات الثلاث من عمر الثورة السورية، في ظل استمرار قوى خفية تحرص على بقاء موازين القوى على ما هي عليه (لا غالب ولا مغلوب)، بينما رقعة الشطرنج الدولية تتواصل بأذرع مغلولة أو ملوية أو مترددة، وربما متصافحة تحت الرقعة.

ثلاث سنوات انتظر المغلوبون على أمرهم تحت البراميل المتفجرة، أو الجبروت الأصولي المتطرف، أو حتى قسوة الطقس على الخيام، وكلما لاحت بارقة أمل تنطفئ، في انتظار ما يتمخض عنه البحر الأسود و«أزمة القرم»، حصان الرهان الجديد على رقعة الشطرنج!

Email