تناقض الحليفين

ت + ت - الحجم الطبيعي

في نوفمبر الماضي، كان مراسل مجلة «تايم» الأميركية يجول لساعات في ثلاث قواعد عسكرية صغيرة لـ«حزب الله» اللبناني، يتجمع فيها المئات من عناصر «النخبة» في قوات الحزب، مجهزين بأسلحة متطورة وآليات مزودة بمدافع وبنادق قناصة.

هؤلاء كانوا يحتشدون ويحشدون في أحشائهم ما تيسر من معنويات واستعدادات قتالية، من أجل معركة القلمون، بعدما نجحوا في هزيمة الجيش السوري الحر في القصير الحمصية.

لقاءات المجلة الأميركية مع قادة وعناصر الحزب، ركزت قصداً على البعد الطائفي في دوافعهم للانخراط في الحرب على الأرض السورية، إضافة إلى موقع القلمون الحدودي وأهميتها الاستراتيجية لمقاتلي المعارضة السورية، كونها نقطة إمداد حدودية في غاية الأهمية، وفي مقابلها معادل مكافئ للأهمية بالنسبة لنظام بشار الأسد، لاستعادة الخط الواصل بين العاصمة دمشق وعرينه العلوي في اللاذقية.

لكن اللافت في تصريحات أحد قادة الحزب، قوله: إن مقاتليه يقودون المعركة بأنفسهم، ويحكمون حصار المنطقة من جهات ثلاث، تاركين جهة واحدة للجيش النظامي، فضلاً عن الدعم اللوجيستي بالقصف المدفعي والغارات الجوية على المواقع التي يحددها له الحزب، وهذا أكده للمجلة الأميركية أحد قادة الحرس الجمهوري التابع لبشار.

هذا يذكر بما حدث في معركة القصير التي تكبد فيها حزب الله خسائر بشرية فادحة قبل انسحاب الجيش الحر، والسبب ما تناقلته غير وسيلة إعلام، من أن الجيش النظامي السوري «خذل» مقاتلي الحزب الحليف وتركهم نهباً للتفجيرات.

وهكذا أصيب جدار الثقة بين الحليفين بشرخ، سارعت القيادتان إلى ترميمه على أساس أن المصلحة المشتركة تحتم التغاضي عن مثل هذه الخدعات العسكرية! كلنا نعلم أنه ليس بالضرورة أن ما يعبأ به المقاتلون أيديولوجياً للاستبسال في المعارك، يختلف في حقيقة الأمر عما يدور على مائدة صناع القرار، وهو من صفات العلاقة الملتبسة دوماً بين السياسي والعسكري.

التعبئة بهذا الشكل لا تنافي الهدف الاستراتيجي من الزج بمقاتلي الحزب في المعارك السورية، وهو ما أعلن كذا مرة من الحزب نفسه «خوض المعارك على الأرض السورية حتى لا نضطر لخوضها على الأرض اللبنانية»، وهو ما يتفق مع النتيجة الطبيعية للتحشيد الطائفي في المنطقة، الذي دفع بالمتطرفين في كلا الطرفين إلى الواجهة وقيادة مجريات الأمور.

 ففزاعة «جبهة النصرة» و«داعش» تدفع الحزب إلى التحوط ومحاولة إبعادهم عن معاقله اللبنانية، عبر مهاجمة معاقلهم السورية، وأهمها القلمون بموقعها الحدودي الذي يشكل تهديداً جدياً ونقطة عبور للمسلحين إلى لبنان، لا سيما أن التفجيرات التي ضربت أهم معاقل الحزب في الضاحية الجنوبية لبيروت، تبنتها «جبهة النصرة».

إذاً، حتى بين الحليفين هناك اختلاف رؤى ومصالح!

Email