حرب باردة في لبنان

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ الدخول العسكري السوري للبنان العام 1976، كان المطلوب تحجيم مؤسسات الدولة هناك. أي تفريغ المناصب السياسية والدينية من قيمتها وتسليم السلطة الحقيقية إلى إدارة أمنية- عسكرية لم تأل جهداً في ليّ ذراع مفهوم الدولة الوطنية. ومن لم ينخرط في تلك اللعبة، انتهى إما منفياً أو ميتاً بمفخخة.

هذا ما حصل مع الرئيسين بشير الجميل ورينيه معوض والمفتي حسن خالد ورئيسي الوزراء رفيق الحريري وميشال عون، قبل أن ينقلب الأخير على نفسه، وغيرهم ممن لم يتبوأوا مناصب رسمية لكنهم حملوا مشاريع استقلالية، أو على الأقل عزفوا منفرداً، مثل كمال جنبلاط.

ومع مرور نحو عام على تكليف تمام سلام تشكيل الحكومة من دون أي تقدم في فك ألغازها واقتراب انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان في مايو المقبل، تلوح في الأفق بوادر فراغ يشبه ما حدث في شتاء 2007 حينما كانت السلطات الثلاث معطلة بإرادة البعض في الخارج والداخل.

وعلى الرغم من أن لا سيناريوهات جلية بعد للاستحقاق الرئاسي، مع كل ما يثار عن احتمال تمديد ولاية سليمان ولو لشهور، فإن لبنان قد يمضي إلى حرب باردة تؤسس لاحقاً لبرميل بارود قابل للانفجار في أي لحظة. و

يطل هذا الاحتمال برأسه من خلال المواقف المعلنة للرئيس اللبناني الذي لم يعد قادراً على إخفاء امتعاضه من معضلة «دولة داخل دولة» التي أوجدها حزب الله والتي تزداد تأثيراتها السلبية على التعايش السلمي في البلاد، فضلاً عن قتاله إلى جانب النظام السوري، وما يعنيه ذلك من استيراد الصراعات الإقليمية أكثر فأكثر إلى لبنان. و

فيما قد يفسر البعض تلك الآراء برغبة سليمان في التمديد، عبر دعمٍ خارجي، فإن آخرين يرون أن قرب انتهاء ولايته هو ما يحرره من تبعات هذه المواقف.

وفي كل الأحوال، تبدو وسطية سليمان واستقلاليته صمام أمان أحوج ما يكون إليه لبنان في هذه الظروف العصيبة، خاصةً أن سعيه نحو جسر الهوة السياسية واستعادة القرار الوطني من عقلية الإقطاع السياسي والميليشوي أشبه بـ«الكولية»، نسبة إلى مستشار ألمانيا الأسبق هيلموت كول، ومليء بالمطبات التي يضعها المعرقلون.. وهم كثر.

ومن الأكيد أن مؤسسة الرئاسة في زمن سليمان استعادت معناها وكينونتها واعتبارها بعدما قيل الكثير عن ضآلة الدور الذي تركه اتفاق الطائف للمنصب، بالنظر إلى الانقسام الحاصل بين ورثة عهد ما قبل الحرب الأهلية، والمُلاحظ كذلك لدى مكونٍ آخر في لبنان، يختفي لدى فريقٍ ثالث، يسيطر حزب الله، وبدرجة أقل حركة أمل، على توجيهه سياسياً وعقائدياً من دون أي تشظ يذكر.

 

Email