غرائب غير مرحة

ت + ت - الحجم الطبيعي

من الروايات الفارقة في مسيرة الشهير ميلان كونديرا "غراميات مرحة"، والتي فيها دوما تنقلب هذه الغراميات إلى كوارث جدية جدا.

هذا ما ورد على البال المتابع لأخبار العالم القاصي والداني، ففي آسيا البعيدة تلوح أزمة عسكرية خطيرة، تنبعث من أنقاض التاريخ الدموي بين اليابان والصين التي باتت عظمى وتفرض مناطق حظر عسكرية على من استعمرتها بوحشية سابقا، ثم تهب الولايات المتحدة الأميركية لنجدة حليفها الياباني الذي كانت ضربته بالقنابل النووية، ليبلغ التوتر أشده بنصيحة بكين لواشنطن بالتراجع عن تعهدها بالدفاع عن اليابان!

على جهة أخرى في أوروبا، يشتد الصداع الروسي من الجار والحليف التقليدي، أوكرانيا، التي تتنامى فيها المعارضة بشكل متسارع وغير متوقع، وصولا إلى هدف طلاق كييف من موسكو على أمل مبهجات الزواج من الاتحاد الأوروبي بمباركة أميركية.

في موازاة هذا التوتر الخفي بين موسكو وواشنطن تحت الطاولة الأوكرانية، تفرض الولايات المتحدة إجراءات أمنية مشددة تتضمن حتى حظر كل أنواع السوائل على متن الطائرات المتجهة إلى روسيا لمناسبة الأولمبياد الشتوي، بعدما عرضت على السلطات الروسية المساعدة الأمنية لضمان عدم وصول يد الإرهاب إلى هذا الأولمبياد!

وهنا مربط الفرس في هذه الغراميات السياسية غير المرحة إطلاقا، وكأن الإرهاب تم تصنيعه بتؤدة ليكون القاسم المشترك بين الأصدقاء والأعداء على حد سواء.

وهذا أيضا يقودنا من الأقاصي إلى القريب جدا: سوريا. فقد طالعنا وزير الأمن الداخلي الأميركي جي جونسون قبل يومين، بتصريح مفاده أن "الحرب الأهلية في سوريا تؤثر جديا على الأمن القومي الأميركي والأوروبي"، وهو مؤشر على نية التحرك أخيرا وجديا، بعدما تغير الموقف الأميركي من تأييد المعارضة السورية العسكرية ضد بطش النظام إلى مجرد "حرب أهلية"، وكلمة السر في ذلك هي "الإرهاب".

خلفية هذه الصحوة هي تقارير المفتشين، التي تتحدث عن أن بشار الأسد لم يسلم سوى نحو 5% من مخزونه الكيماوي، وهو ما أصاب الولايات المتحدة في مقتلها الإسرائيلي، رعبا من وقوع هذه الأسلحة في أيدي إرهابيين.

هؤلاء الإرهابيون الذين باتوا يشكلون فسيفساء يصعب على حواسيب وكالة الأمن القومي الأميركي تفكيكها: تسهيلات لوجستية تركية لظهور "داعش"، ثم توجس تركي من استهدافها من قبل "داعش"، التي تخوض حروبا طاحنة مع "جبهة النصرة" و"الجيش الحر" الذي بدوره يخوض حروبا مع "جبهة النصرة"، ومعركة بقاء مع "الجبهة الإسلامية" التي تخوض معارك مع الجميع!

إذن، فشل خطير أصاب الدولة السورية وباتت ساحة جنون منفلت على حدود إسرائيل، وهذا هو منبع التخوف الأميركي.

Email