مخاض واهم

ت + ت - الحجم الطبيعي

مخاض متوقع حمل أسبابه ومقدماته، فكان المولود وهماً كاذباً، كشف مرة أخرى عدم جدية النظام الدولي الجديد وقواه المؤثرة، في حل المعضلة السورية.

مفاوضات «جنيف-2» التي أسفرت عن إعادة إنتاج أسباب النزاع الدولي وانعكاساته على الأرض السورية، تغافل منذ البدء عن عوامل وأسباب نجاح أي مفاوضات، وفي مقدمها تهيئة المناخ السياسي، وحشد عناصر التوافق للوصول إلى النتيجة المتوخاة، وتحديداً بنود اتفاق «جنيف-1» التي بقيت حبراً على ورق حتى لحظة القفز إلى «جنيف-2»، فكان من العبث مثلاً توقع إنجاح نظام بشار الأسد لهذه الجولة الجديدة من المفاوضات، في ظل رفضه منذ البدء قبول نتائج ومقررات «جنيف-1».

ثم إن القاصي والداني يعلم جيداً أن ما يجري على الأرض بات انعكاساً لصراعات دولية، هي المؤثرة في مسار القتال حتى من خلال منح أو حجب الأسلحة، وتالياً، فإن غياب الحد الأدنى من التوافق الدولي، تحديداً بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا الاتحادية، سيفضي حتماً إلى غياب أي بارقة أمل في التوصل إلى أي اتفاق.

أبعاد النزاع في سوريا إقليمية ودولية على حد سواء، ولو توفرت النيات الصادقة لحل هذا النزاع، لكانت الدبلوماسية بدأت بالدائرة الإقليمية وقواها المؤثرة (السعودية، إيران وتركيا)، ومن ثم الانتقال إلى الدائرة الدولية لحشد كل أوراق الضغوط على طرفي النزاع، لوقف القتال وبلورة ملامح المرحلة الانتقالية.

على أن ما جرى يشف عن حقيقة التوجهات والأولويات الدولية في هذا النزاع، كما هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة، ومعها بالطبع إسرائيل، التي لا ترى في هذا الجحيم سوى هدف التخلص من السلاح الكيماوي السوري، بدلالة الصمت الرسمي الأميركي على مواقف وفد بشار في «جنيف-2»، وانطلاق الصوت عالياً بشعارات «تلكؤ النظام السوري في تسليم مخزونه الكيماوي، وعدم تسليمه سوى 5 % فقط من هذا المخزون».

لم يظهر مثل هذا المستوى من الضعف في الموقف الأميركي في أي من الملفات الدولية، وهو ما يتجلى في هشاشة أوراق الضغط الأميركية على الجانب الروسي، من مثل استثمار الصراع السياسي الداخلي في أوكرانيا، الحليفة الأقرب لموسكو، وهو ما ثبت فشله في السابق، على الأقل مصلحياً، والارتباط الاقتصادي بين الجارين.

يتزامن ذلك مع تلويح خجول بالورقة الكيماوية السورية مرة أخرى، ومواجهة «التلكؤ» السوري بالخيار العسكري، والذي ثبت فشله مرة أخرى مع نظام سوري اشتهر بسياسة «حافة الهاوية»، وانتظار الدقيقة الأخيرة لتقديم تنازلات تضمن بقاءه في الحكم.

إذن، «جنيف-2» وأروقته وتبعاته لا تشي بحل قريب للتراجيديا السورية، خصوصا مع انفتاح هذا البلد على كل التشكيلات المسلحة الغرائبية، وتعدد ولاءاتها ومرجعياتها وتقلباتها، فضلاً عن الأجندات الإقليمية، بينما تتواصل الأوضاع المأساوية لملايين السوريين تحت القصف والجوع أو في خيم الشتات.

كل ما تبقى، هو تعليق الأمل على صفقة دولية، أياً كانت ملامحها!

Email