أوان كل الأوراق

ت + ت - الحجم الطبيعي

قبل 14 عاماً لاح للفلسطينيين أمل رابض في عمق البحر الأبيض المتوسط، هو منجاة لقطاع غزة المحاصر خارجياً بالاحتلال الإسرائيلي وداخلياً بالانفجار السكاني وشح الموارد.

حقلا غاز «مارين-1» و»مارين-2» اكتشف أحدهما في مياه غزة والآخر على الحدود مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، منح العقد الحصري لاستثمارهما في العام 1999 لشركتي «بريتش غاز» البريطانية و»سي.سي.سي» الفلسطينية.

وحددت الشركة البريطانية الكمية الموجودة من الغاز في بحر غزة بـ1.4 تريليون قدم مكعب، ويبدو أنها لم تجد سبيلاً إلى السطح والجيوب المنتظرة في ظل إصرار إسرائيل على أن تكون المشتري الوحيد لهذا الغاز، وأن تمر أنابيب نقله من خلالها الجغرافي.

في لقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس الأسبوع الماضي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، تم البحث الخرائطي الجاد في إسناد عقود الغاز الغزي إلى مجموعة «غازبروم» الروسية العملاقة في «مارين 1»، في إطار مشروع بقيمة مليار دولار، إضافة إلى اعتزام «تكنوبروم اكسبورت» الروسية البحث في استغلال حقل نفطي قرب رام الله في الضفة الغربية.

على هذه القاعدة التي تشكل تحولاً لافتاً في مسار الدبلوماسية الفلسطينية المقيدة بالانقسام الداخلي والتفكك العربي، أتت محاولات السلطة الفلسطينية للإفلات من «كمين» جون كيري وخريطته للحل، التي تعطي الفلسطينيين بعض حقوقهم، بينما تلغي حق عودة اللاجئين وتنزع منهم السيادة على الحدود مع الأردن.

كانت المطالبات قد ثارت مع هذه التسريبات للقيادة الفلسطينية بمحاولة كسر الاحتكار الأميركي للمفاوضات، عبر تفعيل دور الرباعية الدولية التي تضم روسيا، وأتت هذه الخطوة الفلسطينية متسقة مع قواعد «اللعب السياسي» الماهر، بما أن روسيا باتت لاعباً أساسياً على الخريطة العالمية، وتشكل هاجساً للولايات المتحدة في كل مناطق التنافس والصراع.

عندما تكون المصالح المشتركة أساساً للعلاقات الدولية تؤتي ثمارها، بما أن لا مكان للمبادئ والمثل في المعادلات السياسية المعاصرة، وهذه الوليمة الاقتصادية الروسية الفلسطينية، حتماً لها مفاعيلها وتأثيراتها في إسرائيل نفسها التي تضم «جالية» روسية تزيد على المليون بكثير، وأصبحت قوة مؤثرة في مواقع صنع القرار الإسرائيلي.

 هذا هو الفعل - أخيراً - بعد عقود من ردات الفعل التي ميزت العمل السياسي الفلسطيني، وربما كانت قلة أوراق الضغط بين يدي المفاوض الفلسطيني، هي التي دفعت إلى «الاختراع بعد حاجة»، لكن ينقصه «زحف» دبلوماسي فلسطيني إلى دول الاتحاد الأوروبي، للبناء على التوتر الناشب مع إسرائيل من بوابة بضائع المستوطنات ونزع الشرعية عنها.

فضلاً عن التوجه من خلال جاليات الاغتراب العربي في الولايات المتحدة وبيوت الخبرة والاستشارة للتفاعل مع، بل وتفعيل حملات المقاطعة الأكاديمية الأميركية لهذه المستوطنات.

لا مجال لتأجيل أي ورقة، فالراهن التفاوضي خطير للغاية.

 

Email