خطوة على الطريق

ت + ت - الحجم الطبيعي

في العام 1778 اجتمعت الجمعية التأسيسية في بلاد مقسمة بين مجاميع مهاجرة من أصول عرقية وطائفية متعددة، خاضت في ما بينها حروباً طاحنة، وذلك لإقرار دستور يوحد البلاد، وينهي عقوداً من الاستنزاف الدموي، وخلال هذا الاجتماع العاصف انسحب 30% من أعضاء الجمعية التأسيسية احتجاجاً على بعض مواد الدستور، فكان أن واصل الباقون (70%) الاجتماع وإقرار الدستور، حفاظاً على الأجيال الحاضرة والقادمة، وهكذا ولد دستور الولايات المتحدة الأميركية، الذي يعد حالياً مرجعاً في الديمقراطية.

هذا ما يتفق مع جل نظريات علم السياسة، التي تقول إن تحرك ما نسبته 30% في المجتمع كفيل بإسقاط دول ورسم ملامح الحاضر والمستقبل.

فرنسا التي أشعلت الثورة الحضارية الحديثة، وكانت السباقة للحكم الديمقراطي، وافق في الاستفتاء على دستورها 53% عام 1946، و63% في 1985، أما روسيا فقد وافق نحو 58% على دستورها عام 1993، وسويسرا التي نتغنى بنموذجها وافق 59% فقط فيها عام 1885، بينما في الجارة تركيا، وافق نحو 57% فقط من المستفتين على دستورها في 2010.

ولا ننسى في هذه العجالة أن دستور البرازيل تم تعديله 70 مرة في 24 سنة، بينما جنوب إفريقيا (النووية) عدلت دستورها 16 مرة في 16 سنة.

هذه النظرة التاريخية العجولة والمقارنة، استدعتها نتيجة الاستفتاء على الدستور المصري الجديد، والتي وصلت إلى أكثر من 98%، من أصل 38.6% شاركوا، والذين زادوا قليلاً عن 20.6 مليوناً مصري. هي بالتأكيد نسبة أكثر من كافية للمضي قدماً بخريطة المستقبل، لرسم معالم مصر الجديدة ومستقبلها الواثق، على هدي دستور يضع الأمور في نصابها، ويقطع الطريق على المتاجرين بالدين وبعواطف الناس لحصد مكاسب حزبية وفئوية.

هذا الاستفتاء سبقه آخر جماهيري أهم، حين نزل إلى الشوارع نحو 30 مليوناً في 30 يونيو، للمطالبة بإنهاء حكم «الإخوان المسلمين»، بعد استفتاء الدستور الإخواني، الذي مرّر بنسبة 32.8%، أي أن عدد الذين قالوا له نعم وصل إلى 17 مليوناً، ربما كان نصفهم من القوى الأخرى التي اصطدمت بشبق الاستئثار بالسلطة لدى «الإخوان».

إذن، الخطوة التالية انتخابات رئاسية وبرلمانية، لكن دون إغفال استمرار خطر الإرهاب، وهو ما يفرض مواجهته بقبضة أمنية حديدية وأخرى سياسية ناعمة تتيح الفرصة للانخراط في العملية السياسية، لكل كطرف سياسي يلتزم بالدستور الجديد، ويعيد صياغة كل نظرياته وبرامجه الإقصائية طبقاً له، إلى جانب تحديد دور المؤسسة العسكرية بشكل واضح ودون مواربة، لأن شواهد الأرض كلها تحذر من أن إقحام الجيش في السياسة يفسده.

 

Email