«اليرموك» الجائع

ت + ت - الحجم الطبيعي

خير الله منصور، لاجئ فلسطيني وجد نفسه محاصراً بمعارك كونية لا ناقة له فيها ولا بعير، سوى أن معادلة دولية ظالمة انتزعته من أرض أجداده ورمته نهباً للمجهول في مخيم اليرموك في سوريا.

بحث في القمامة عما يسد رمقه فلم يجد، بدأ يذوي وصفحات التواصل الاجتماعي ترصد جفاف عروقه رويداً رويداً.. إلى أن مات، في مشهد يستقي تفاصيل العظام النافرة فوق الجلد من مجاعات الصومال.

هو ليس وحيداً في الموت جوعاً، فوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة، تتحدث عن 15 فلسطينياً قضوا جوعاً، بينما أهالي المخيم المنكوب يتناقلون موت ضعف هذا العدد جراء الحصار المفروض عليهم منذ ما يزيد على ستة أشهر.

قد يكون ترفاً الحديث عن خصوصية المخيم في خضم الحرب اللاهبة في سوريا، فالكل في الهم سواء، لكن المعضلة الفلسطينية دوماً تفرض سمتها الأكثر إيلاماً في كل صراعات الغير: كل أطراف المعارك السورية يجدون ما يأكلون، بل لديهم وكلاء خارجيون ونقاط إمداد شامل، باستثناء الفلسطيني الغريب في أرض إخوته.

هنا لا بد من التذكير بخسران الفلسطينيين منذ البداية معركة "القرار المستقل"، حين فرض الشتات على منظمة التحرير الفلسطينية ومحاباة الأنظمة أن تكون إطاراً فضفاضاً لكل ما هب ودب من الفصائل التي شكلت معظمها أجهزة استخبارات تلك الأنظمة، حتى صح ما كان يحكى أن المنظمة الفلسطينية هي نسخة مصغرة من الجامعة العربية.

الصورة أوضح تماماً في سوريا، التي جهد نظامها ردحاً من الزمن في محاولة استتباع قرار منظمة التحرير كإحدى أوراق الحرب بالوكالة مع "العدو" الإسرائيلي، في انتظار "التوازن الاستراتيجي"، وهكذا سجل هذا النظام رقماً قياسياً في عدد الفصائل "الفلسطينية" التابعة له .

وفي مقدمها "الجبهة الشعبية القيادة العامة" بقيادة ضابط الاستخبارات السوري "السابق" أحمد جبريل، الذي يخوض المعارك من أرض المخيم إلى جانب النظام، وعلى المقلب الآخر تقف له عناصر حركة "حماس" بالمرصاد، بعد ميزات اكتسبتها من نظام بشار الأسد إبان "شهر العسل" بين الطرفين، إلى جانب "الجيش الحر" بالطبع.

المحصلة حصار وتجويع قاتل للمخيم، يضيف لذاكرة الفلسطيني مشهداً جديداً من فتاوى إباحة أكل القطط وحتى الميتة، إبان حرب المخيمات الشهيرة في لبنان.

وها هو وزير الخارجية الأميركي جون كيري، يعلن عن تقدم في المفاوضات الجارية حالياً بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بينما كل حملات الإغاثة حتى تلك التي أمر بها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، تفشل في الوصول حتى إلى تخوم الأمعاء الخاوية في اليرموك.

تتغير الأولويات في ظل الثوابت الوطنية الفلسطينية، لكن العاجل منها حالياً وقبل الدخول في أي قضايا أمن أو حدود أو قدس، هو انتزاع قرار عاجل بعودة اللاجئين الفلسطينيين في سوريا ولبنان.

أين ذلك أيتها السلطة الفلسطينية من المفاوضات الجارية؟

 

Email