اللعب بالغاز

ت + ت - الحجم الطبيعي

تجيد موسكو اللعب بهدوء على الساحة الدولية. دعمها للنظام السوري، المتحالف مع ميليشيات طائفية، لا يؤتى على ذكره كثيراً في وسائل الإعلام من باب التقريع، كما يحصل مثلاً مع داعمي المعارضة الموصومة بهتاناً بأنها تغض النظر عن تنظيمات متطرفة تقاتل في سوريا.

ولا يجد الروس حرجاً في ذلك، بل على العكس، باتوا يوصفون بأنهم بيضة القبان في حل الأزمة، وتلقوا الكثير من المديح على تجنيبهم المنطقة ضربة أميركية وتخليصها من ترسانة دمشق الكيماوية. وبالدرجة نفسها من الهدوء، وقعت شركة «سويوز نفط غاز» الروسية أخيراً، اتفاقية للتنقيب عن النفط والغاز في الجرف القاري في المياه الإقليمية السورية، في مساحة تبلغ 2190 كيلومتراً.

وعلى ما يبدو، أدركت موسكو أن لغة الطاقة، وتحديداً الغاز في ظل نضوب النفط، ستسود في القرن الواحد والعشرين، خاصة بوجود شركة «غاز بروم» العملاق الروسي الذي أزاح شركات «الباكس أميركانا» المعروفة من الخريطة الاقتصادية العالمية. ومن هنا، قد يُفهم جزء، إن لم يكن الجزء الأكبر، من حقيقة ما يحصل في سوريا، لجهة استمرار التدمير المدروس للبلاد وتفضيل صيغة «الحرب غير القابلة للربح»، وحصر القتال في كيلومترات مربعة في هذه المنطقة أو تلك، بالتوازي مع تفريغ مناطق معينة من سكانها.

تستثمر روسيا سياسياً وعسكرياً واقتصادياً في النظام السوري ومعاقله في الساحل، حيث توجد قاعدة طرطوس إياها، ويقف حق النقض في وجه المعترضين، ويطَوّر مطار اللاذقية ليصبح دولياً، بينما تحط إليه وتقلع منه الطائرات الروسية بشكلٍ متواصل، حاملةً «مساعدات» لا يعرف أحد ماهيتها.

لقد دخل حوض المتوسط في لعبة الغاز العالمية بتجلياتها الإقليمية، وما يقال عن هذا الحوض بأنه الثالث من حيث الغنى في العالم يعني فيما يعنيه أن من يملك الساحل السوري، وشرق المتوسط بالمجمل، سيملك الشرق الأوسط ويضع يديه على بوابة تصدير الطاقة إلى منطقة أوراسيا، ما سيؤدي حتماً إلى تغيير قواعد اللعبة برمتها، وهو الأمر الذي ستمتد تأثيراته أيضاً على لبنان وإسرائيل، المعنيتين أكثر من غيرهما بما يحصل لدى الجارة الشمالية.

ويبقى السؤال ما إذا كانت الدويلة الساحلية التي تُرسى دعائمها بعناية وهدوء من تحت الطاولة، ستشكل ممراً آمناً وضمانة لخطوط الأنابيب المارة عبر سوريا من آسيا إلى أوروبا. وعليه، يفضل صانعو القرار الانتظار حتى تنضج الطبخة، ولا مانع في هذه الأثناء من «بروفة» تختبر مدى صلابة تلك المنطقة، عبر تصويرها على أنها المخرج الوحيد الموثوق للتخلص من الترسانة الكيماوية ولا شيء سواها. ولا ضير حتى ذلك الوقت، في أن يموت السوريون جوعاً أو برداً أو قصفاً. فسعر القدم المكعب من الغاز على ما يبدو، أغلى من أرواحهم.

 

Email