أصدقاء الأسد

ت + ت - الحجم الطبيعي

حينما يصدر تصريحان من العيار الثقيل عن مسؤوليْن من عيارٍ أثقل من دولتيْن يفترض بهما أن يشكلا الشر المطلق بالنسبة إلى نظام بشار الأسد «الممانع»، يؤكدان ضرورة بقائه في السلطة، فإن الأمر يشي بأن اللعب بات على المكشوف في الشرق الأوسط.

داني حالوتس، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق ومبتدع نظرية «القتل المستهدف» ضد النشطاء الفلسطينيين، لم يتمكن من كبت مشاعره تجاه ما يحصل في سوريا أخيراً ولخص موقف تل أبيب بثلاث كلمات: «الأسد أفضل لإسرائيل».

كلام حالوتس لم يكن نابعاً بطبيعة الحال من حصافةٍ سياسيةٍ أو رأيٍ عسكريٍ استراتيجي، بل جاء بسبب المخاوف التي تعتري حكام إسرائيل من أن بديل النظام السوري الحالي سيكون المتطرفين الإسلاميين.

وبعد حالوتس بأيام، تشجع مدير الاستخبارات الأميركية السابق مايكل هايدن وباح بمكنونات صدر بعض المخططين الأمنيين في واشنطن، معتبراً أن انتصار الأسد هو أفضل ثلاثة سيناريوهات، ويا ليته استخدم مثلاً تعبير «الأقل سوءاً» بدلاً من «الأفضل»، لأن السيناريوهين الآخرين هما إما قتال طائفي أو تفتت سوريا، وهو ما يعني بين السطور أن هايدن يرى في رأس النظام ضامناً لوحدة المجتمع السوري وصمام الأمان ضد الانفجار الطائفي.

الأكاذيب إياها سبق للأسد أن عمل جاهداً على تسويقها منذ زمن، واصفاً نفسه على الدوام بأنه قلعة العلمانية في المنطقة، حيث لم يترك حواراً مع وسيلة إعلامية غربية إلا وجيّره لصالح الهم الأمني الأكبر لدى الغرب.. تمدد نفوذ التشدد الإسلامي. كما روج مراراً داخل المجتمع السوري أن سقوطه سيعني بحوراً من الدماء، وزرع في رؤوس سكان حاضنته الشعبية أنهم سوف يُرمون بالبحر إن رحل.

ما قاله حالوتس وهايدن سبقهما إليه صاحب أكبر عدد من النياشين العسكرية في تاريخ إسرائيل إيهود باراك، الذي سارع ذاته مرة إلى طمأنة مواطنيه بأن عليهم «ألا يخشوا سقوط الأسد»، ورئيسة دبلوماسية الولايات المتحدة السابقة هيلاري كلينتون، التي وجدت نفسها مضطرةً إلى التوضيح في شهور الثورة السورية الأولى بأن على الأسد «ألا يعتقد أن لا غنى عنه».

ومنذ ألف يوم، تعج المدونات والمواقع الإخبارية ومراكز الأبحاث الأميركية بتحليلات تصف ما يحصل في سوريا في أحسن الأحول بأنه «صراع أشرار يُصفّون بعضهم البعض»، أو أن ما يحدث هو «عدالة الشوارع»، وأن «الشيطان الذي تعرفه أفضل من الذي تتعرف عليه».

قد يرد البعض بقاء الأسد في سدة الحكم إلى استخدامه العنف المفرط غير المسبوق الذي واجه به شعبه.. وهذا صحيح. لكن الجانب الآخر للحقيقة يقول ببساطة إن له أصدقاء في الغرب والمنطقة لم ولن يسمحوا بسقوطه مهما كانت التكلفة.

Email