اختبار صعب

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ يونيو، مروراً بسبتمبر ولغاية الأسبوع الماضي، اعتادت العين مشاهد الاحتجاجات والغاز المسيل للدموع في تركيا، على خلفية مطلبية متعددة الأوجه والدوافع، ولم يصدر عن أي خارجية عربية موقف تجاه ما يجري في الجارة التركية، بل بالأخص لم يصدر عن الحكومة المصرية حتى رأي. قبيل توجهه إلى موسكو..

وخلال اجتماع لحزبه الحاكم، أصر رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان على تجاوز "حق الجيرة" السياسية ومبادئ الشرعية الدولية الخاصة بحق الشعوب في تقرير مصيرها..

وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، فأسبغ على الأصابع الأربعة (إشارة رابعة العدوية)، رمزاً نضالياً أممياً كاد أن يختفي منذ أيام تشي غيفارا، بوصفها رمزاً عالمياً لـ"رفض الظلم والاضطهاد"!

في لعبة الديمقراطية، كما شطرنج السياسة، هنالك دوماً فرصة للي عنق الحقيقة، وتقليب وجهيها طبقاً لصاحب المصلحة في استغلالها، فالشرعية الجماهيرية التي برر بها أردوغان فض مظاهرات ميدان تقسيم وما بعدها، لم يرها في الـ30 مليون مصري الذين خرجوا إلى الشوارع في 30 يونيو، تأييداً لخريطة طريق الجيش.

ورفضاً لحكم «جماعة الإخوان» الإقصائي، كل ما رآه بضعة آلاف في رابعة العدوية! لكن ما يجري على أرض مصر يخص المصريين وحدهم، تماماً كما دأب العرب على اعتبار المسألة الكردية مشكلة تركية داخلية.

رد فعل الحكومة المصرية بخفض التمثيل الدبلوماسي مع أنقرة، أتى في إطار وضع حد للتدخل في الشؤون الداخلية بعد تصريحات أردوغان. لكننا نعلم مع تعقيدات عالم السياسة المعاصر، أن المواقف الكلامية غير كافية لاتخاذ مثل هذا الموقف، إذ يمكن الرد بتصريحات مضادة، وتبقى الأمور ضمن المناكفات السياسية..

لكن جملة وردت في بيان الخارجية المصرية تشف عما هو أخطر من المواقف الكلامية، تفيد بأن من أهم أسباب التحرك المصري الدعم التركي لـ"اجتماعات لتنظيمات تسعى إلى خلق حالة من عدم الاستقرار" في مصر، وهو ما يخرق شرعة الأمم المتحدة..

ويدخل المنطقة في دوامة الألاعيب الاستخبارية العابثة بشؤون دول المنطقة، تأزيماً لما هو مأزوم أصلاً، ما يجعل الوضع برمته قابلاً للانفجار. أصعب اختبار لاستمرارية الموقف التركي هذا، أتى من الحليف الأطلسي الأميركي، الذي أعلنها صراحة بلسان وزير الخارجية جون كيري، بدعم تحرك الجيش المصري ضد "الإخوان"، الذين "سرقوا" الثورة المصرية..

هذا الموقف الذي لم يأت تبعاً لتغير المزاج الأميركي، بل ثمرة دبلوماسية مصرية حاذقة، أفشلت مخططات تيارات في "الكونغرس" داعمة لتفتيت مصر بمعول "الإخوان"، من خلال التوجه إلى علاقات موازية مع روسيا. إزاء التبدل المصلحي اللحظي في عالم السياسة المعاصرة، هي مغامرة لا أكثر تبني مواقف حادة تجاه قضية تخص الغير، ذلك أن القرية الإلكترونية الكونية، جعلت الحدود في منتهى الشفافية، وكل الفرص مهيأة للاصطياد.

Email