في انتظار «جنيف 3»

ت + ت - الحجم الطبيعي

يلطم قياديٌ في المعارضة السورية زميله فوق خده، على ضفاف البوسفور.. يتقدم مسلحون أكراد متهمون بالتواطؤ مع النظام وحليفيه في بغداد وطهران في الشمال والشمال الشرقي، فيثيرون حفيظة العرب السنة.. يرفض «داعش» قرار حله الصادر عن رأس تنظيم القاعدة.. يقيم بعض الدمشقيين حفل «حريم السلطان» في منتجع فاخر..

ويسوّق بشار الأسد أحجية صناديق الاقتراع التي ستحدد مصيره، وكأنه بفضلها استلم الحكم! في هذه الأثناء، تتسابق الدول الإقليمية والقوى الكبرى على سحب البساط من تحت قدم هذا الطرف أو ذاك، سواء عبر صفقة نووية أو تسليحية، فيما يُعاب على واشنطن تغييب وسائل قوتها عن قصد، وكأنها دولة حديثة العهد نالت استقلالها للتو.

لقطات سريالية للمشهد السوري الذي بات أشبه بـ «طبخة بحص»، يدرك الجميع أنها لن تنضج ولا يجب لها أن تجهز.. أقله في الوقت الحاضر، في حين يشكل الحديث عن نجاح أو انتصار أي طرفٍ ضرباً من الهرطقة السياسية. وفي الواقع، هذا ما أُريدَ للثورة السورية أن تنتهي إليه..

فبعد أن تحول قرابة نصف السوريين إلى نازحين أو لاجئين، وتكاثرت الفصائل المسلحة حتى بلغت مرحلة الاقتتال الداخلي، وطبّق النظام ووكلاؤه في المنطقة بكل دقة مفاهيم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، أضحى هذا اللغز المسمى الأزمة السورية، بحاجة إلى منجّم يفك طلاسمه، لا محللين أو خبراء سياسيين.

ومع ذلك، يبدو أن هناك خطوطاً عريضة سترسم المستقبل في كل الأحوال. والفارق هنا في أن يضغط المجتمع الدولي للوصول إلى حل يشبه اتفاق دايتون حول يوغسلافيا، فيما يريد الأسد وشركاؤه لمؤتمر «جنيف 2» الموعود، أن يتحول إلى نسخة ثانية من مؤتمر مدريد للسلام، الذي تعهد الإسرائيليون باستخدامه أداةً لكسب الوقت ليس إلا.

أن يكون هناك دايتون سوري، يعني أن على الكثير من السوريين والسوريات أن ينسوا قتلاهم ومعتقليهم ومشرديهم وبيوتهم التي تهدمت، مقابل وقف عنف النظام وتقديمه «تنازلات» سياسية. سيكون هناك ميلوسوفيتش وبيغوفيتش وتوديمان سوريون يجلسون على طاولة واحدة في نهاية المطاف.

لكن المشكلة أن الولايات المتحدة عاجزة حتى الآن عن إيجاد هولبروك ثانٍ يجول العواصم ومراكز صنع القرار، ليس للسياحة أو تبرير العثرات، بل لجمع الفرقاء وإقناع القوى الدولية أن الوقت حان للتوصل إلى اتفاق سلام سوري بنكهةٍ بلقانية.

دايتون السوري سيعني كذلك أن كل طرفٍ سينكفئ إلى معاقله، ويكوّن كانتونات خاصة به تفكك ما تبقى من سلطة مركزية، ليمهد بذلك إلى «جنيف 3» الذي سيوّلد فويفودينا وكوسوفو وجمهورية كرايينا الصربية وجمهورية صرب البوسنة، إنما هذه المرة.. بهوية سورية.

Email