المأزق التفاوضي

ت + ت - الحجم الطبيعي

من السذاجة بمكان اقتحام المعترك التفاوضي بنيات طيبة، وإيمان القلب بعدالة القضية، فهذه الدوافع ما عادت لها فرصة في عالم المصالح المعقدة وأسباب القوة المادية، أي كما قيل طغيان «حق القوة على قوة الحق».

للمرة الثانية يعلن الوفد الفلسطيني المفاوض برئاسة صائب عريقات استقالته (المرة الأولى كانت في أكتوبر الماضي)، وذلك يأساً من أي مرونة إسرائيلية في المفاوضات.

يدرك الجميع مدى فداحة المأزق الفلسطيني الحالي الذي يجعل من الصعب تماماً على الرئيس الفلسطيني وقف المفاوضات، بل في أحسن الأحوال اللجوء إلى محاولة الضغط عبر الأطر العربية والدولية، كما حدث قبل نحو أسبوعين احتجاجاً على إعلان إسرائيل مشروع بناء 23 ألف وحدة استيطانية في الضفة الغربية والقدس.

يدرك الرئيس وأركان سلطته أن الاستفزازات الإسرائيلية المتواصلة، لا تهدف إلى وقف المفاوضات، بل دفع المفاوض الفلسطيني إلى اليأس التام وهو يراقب الجغرافيا تسرق تدريجياً حتى لن يجد ما يمكن التفاوض عليه، وتالياً القبول بالشروط الإسرائيلية، ولا سيما أن «الربيع العربي» ترك الحائط الذي يستند إليه الفلسطينيون مترنحاً بأزمات وحروب داخلية طاحنة باتت معها القضية المركزية للشرق الأوسط ثانوية.

إذاً هو تكتيك التيئيس الذي يتبعه الإسرائيليون، مقرونً بصفاقة مفاوضتهم الأولى تسيبي ليفني التي أمعنت في إحباط الفلسطينيين بقولها إنهم ذهبوا إلى المفاوضات وهم يعلمون أننا لم نتعهد لأي كان بوقف الاستيطان، وهو فقط لتذكير الشعب الفلسطيني بموقف قيادته الرافض للتفاوض قبل وقف الاستيطان وإطلاق الأسرى وبلورة إطار واضح للمفاوضات أساسه حدود الرابع من يونيو 1967.

وزيادة على ذلك، لم تكتف إسرائيل بتصعيد مشاريعها الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس، بل زادت وتيرة هدم المنازل الفلسطينية، فكان ما يشبه الكوميديا السوداء أن يكون عريقات وفريقه في واشنطن يتفاوضون، بينما العشرات من أبناء شعبهم يضعون الأكف على الخدود فوق أنقاض منازلهم المهدمة.

ضعف الموقف الفلسطيني يتبدى جيداً في تصريحات القيادة بأن المفاوضات مستمرة رغم استقالة الوفد حتى نهاية المهلة المحددة لها في أبريل 2014 على أساس أنها لا تستطيع مواجهة الضغوط الدولية أو نقمة الأطراف الراعية لعملية السلام، في ظل وضع داخلي منقسم وعربي مهلهل ودولي متوتر بمؤشرات عودة الحرب الباردة. هي دائرة مفرغة ستستمر في دورانها العقيم ما لم تكسرها قوة خارجية، وهو الأمر المستبعد في ظل متلازمة الولايات المتحدة وإسرائيل ومعضلة من يؤثر في قرار الآخر.

مصير القضية الفلسطينية تتحمل مسؤوليته «السلطة» بصفتها قيادة، رغم إغفالها مسألة الإبقاء على هذه القضية تحت الأضواء حتى في شوارع بلدان «الربيع العربي»، وجعلها من القضايا المطلبية، فضلاً عن النأي عن المفاوضات قبل إصلاح الوضع الداخلي وتوحيد جناحي فلسطين المتفاوض عليها.

Email