من فعلها؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

عشر سنوات تقريباً على وفاة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، وها هو ملف وفاته الغامضة يعود من جديد، بعدما فجرته قناة «الجزيرة» بتقريرها الشهير عن تسممه بمادة البولونيوم القاتلة، ما استدعى نبش رفاته قبل نحو ثلاثة أعوام، من قبل خبراء سويسريين للتأكد مخبرياً من سبب الوفاة.

على غير المتوقع نحا العلم نحو مصداقيته بلسان البروفسور السويسري فرنسوا بوشو مدير معهد الفيزياء الإشعاعية في لوزان، وأعلنها نهاية الأسبوع الماضي على الملأ: الخبراء الذين أجروا التحاليل عثروا على نسب تصل إلى 20 مرة أعلى مما اعتادوا قياسه. وهذا يدعم فرضية التسمم وضلوع «طرف آخر». «الطرف الآخر» المعروف لكل طفل، سارع على غير نهجه إلى نفي التهمة، وانهالت التصريحات الإسرائيلية لتبرئة ساحة الـ«نصف مقبور» إرييل شارون، بل واتهام أرملة عرفات ورجالات في السلطة الفلسطينية، على أساس أن الأخيرة أغفلت التحقيق مع «مصادر أخرى» في ظروف وفاة عرفات.

أرملة الزعيم الراحل وقبل هذه الاتهامات، قالت إنها تواصل متابعة القضية التي رفعتها أمام القضاء الفرنسي لكنها تدرس الخطوة التالية حال تأخرت هذه القضية، وطالبت السلطة الفلسطينية التي كانت شكلت لجنة تحقيق بالبحث عن الشخص الذي قام بإيصال مادة البولونيوم القاتلة إلى عرفات، في حين أكد لها الخبراء السويسريون استعدادهم لتقديم شهادتهم على جريمة الاغتيال أمام أي هيئة قضائية. هنا تحركت السلطة الفلسطينية معلنة عن مواصلة التحقيق في هذه الجريمة بعد اجتماعات على أعلى المستويات، لكن اللافت هذه المرة هو التوجه مباشرة نحو حجر الزاوية في هذه القضية: من فعلها؟

على هذا يركز المجلس القضائي الفلسطيني الأعلى في المرحلة التالية، وهي الكشف عن الفاعل والعثور على الدليل للانتقال إلى خطوة مقاضاته دولياً في ظل مطالبات بلجنة تحقيق دولية على غرار اغتيال رفيق الحريري.

ما لفت الانتباه في التصريحات الإسرائيلية الإشارة إلى نتائج تقرير روسي عن الجريمة بقي بعيداً عن الأضواء تزعم إسرائيل أنه يبرئ ساحتها، وهو ما ينضاف إلى الموقف الفرنسي غير الواضح والذي تمثل في تصريحات وزير العدل الفلسطيني الأسبوع الماضي، حين طالب السلطات الفرنسية بتسليم تقريرها عن العينات البيولوجية لعرفات الذي توفي في مستشفى بيرسي العسكري، و«لم نتلق أي جواب حتى الآن من الطرف الفرنسي. بعثنا برسالة جديدة إلى الفرنسيين نطالب فيها بتسريع إرسال النتائج وما زلنا ننتظر».

كل هذه الأحداث تتجمع كجبل جليد ينذر ذوبانه بمفاجآت غير منضبطة ومبرمجة كما اعتادتها المنطقة بعدما دخلت حقبة «الفوضى الخلاقة»، وبات الكشف عنوان المرحلة بينما تراقب الأيادي المتحكمة بخيوط اللعبة مسارها للتدخل في الوقت «الملائم». جريمة بحجم اغتيال الرمز الفلسطيني تتطلب شفافية مطلقة، هي الضامن للعدالة والانضباط الإيجابي الجماهيري، كي لا يفلت المجرم مجدداً.

Email