في تحويل الأزمات إلى مكاسب

ت + ت - الحجم الطبيعي

لطالما نجح النظام السوري الحالي عبر تاريخه الممتد إلى أكثر من أربعة عقود في تحويل أزماته إلى مكاسب سياسية سواء في علاقته بالداخل أو الخارج. فحينما خسرت سوريا هضبة الجولان في حرب 1967، كان ذلك مدعاةً لتصفية الحسابات بين الرفقاء البعثيين ودافعاً لحافظ الأسد في التخلص من جناح صلاح جديد.

وعلى الرغم من أن الأول كان وزيراً للدفاع ويعتبر المتسبب المباشر في خسارة المنطقة المحتلة، التي مات من دون أن يسترجعها لا سلماً ولا حرباً، إلا أنه ما لبث أن استخدمها مطية لتبرير سياساته القمعية ضد شعبه واستثمرها أيما استثمار في عقد صفقات من تحت الطاولة مع القوى الكبرى وحلفاء محددين في المنطقة.

كان دخول قوات النظام السوري إلى لبنان، الجار الأصغر، أيضاً «سبباً للسبب» الذي رسخ معادلة هنري كيسنجر عبر اتفاقية فصل القوات العام 1974. تلك المعادلة التي سوّقت النظام لدى الغرب وقدمته كطرفٍ يمكن الاعتماد عليه في الشرق الأوسط، في وقتٍ لعبت دمشق على حبلي «المقاومة» علناً و«البراغماتية الواقعية» سراً.

وفي حين توقع كثيرون أن يتحول لبنان إلى فيتنام سورية تغرق الأسد في متاهاتها، تمكن رئيس النظام السوري حينها من جعل بلاد الأرز نسخة متمدنة من دول إفريقية ممزقة إلى أشلاء وأمراء حروب وملوك طوائف. وفي 1990، أدرك الأسد أن المنطقة والعالم بصدد عاصفة تقلب موازين قواها، فآثر الانضمام إلى التحالف الغربي الذي طرد نظيره البعثي العراقي من الكويت، فضرب بذلك أكثر من عصفورٍ بحجر.

وحتى في الداخل، استطاع النظام اللعب على تناقضات المجتمع السوري المذهبية والعرقية وحوّل ما يمكن اعتباره أزمة طاحنة مر فيها في أواخر سبعينات وأوائل ثمانينات القرن الماضي إلى انتصارٍ أرهب المجتمع لعقود حتى سميت سوريا «مملكة الصمت».

واليوم، يسير الأسد الابن على خطى أبيه، حيث يصر على اتباع سياسة حافة الهاوية، حافظاً درس حافظ في ألا يُدخل النظام في مواجهات عسكرية مباشرة مهما كلف الثمن وأياً كانت «التنازلات». ومن هنا، يُفهم هذا الكرم الأسدي «الذي فاق التوقعات» أميركياً فيما يخص التخلص من الترسانة الكيماوية، وحتى ما بعد الكيماوية..

بينما أمل الشعب السوري في أن يُنزل المجتمع الدولي بحقه عقاباً شديداً على ارتكابه «حلبجة 2» في غوطة دمشق. فأن يكسب نظامٌ ما شرعية، لم يمتلكها في يومٍ من الأيام، ويصبح طرفاً في أزمة أشعلها وأججها، وأن يتم التخلص من أداة الجريمة بدلاً من محاسبة المجرم نفسه، وتختزل فيما بعد المسألة في قضية أسلحة الدمار الشامل، فهذا ما يلخص حال النظام السوري مع المجتمع الدولي وسياسته وديدنه الذي ما برح يستمرئه، معتقداً أن بإمكانه الكذب على كل الناس كل الوقت.

Email