فخ الحليف

ت + ت - الحجم الطبيعي

الطائرة المقاتلة "ڤي-22 أوسبري" هي أول طائرة تعمل بتقنية المراوح القابلة لتغيير الاتجاه، أي أنها تجمع بين القدرة على الإقلاع والهبوط العمودي وسرعة التحليق العالية اللذين يميزان الطائرات ثابتة الجناح، أي أنها خليط فذ بين الهليوكبتر و"أف 16" مثلاً.

فخر الصناعة الحربية الأميركية هذه حكر على جيش أقوى دولة في العالم، إلا بمشاركة صغيرة تمثلت في إعلان وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل عن أن إسرائيل تعتزم شراء ست من هذه الطائرات المتفردة، مشدداً على أن "التعاون الدفاعي" الأميركي ـ الإسرائيلي أقوى من أي وقت مضى، من دون إغفال الإشارة المعتادة إلى التهديد المشترك: إيران نووية.

هذه الخطوة تثير الحيرة، فبعد عقد معاهدات سلام بين أطراف عربية وإسرائيل طالبت الولايات المتحدة الجانب العربي المعني، بتخفيض عديد وعدة جيوشه العسكرية لمصلحة تشكيلات الأمن على أساس أن المرحلة المقبلة لا تحتمل الحروب، والآن نرى "جيوش المواجهة" العربية في مأزق (من العراق إلى سوريا وانتهاءً بالمؤامرة "الإخوانية" الاستنزافية في مصر)، والطرفين الفلسطيني والإسرائيلي يجريان مفاوضات سلام ماراثونية في الولايات المتحدة، وتالياً آفاق الحروب تقلصت، فما الذي يدفع واشنطن لمد الإسرائيليين بالمزيد من أحدث ترسانتها العسكرية؟

التفسير الطيب يفيد بأن إسرائيل باتت من مسلمات الثقافة الأميركية وثوابت الإدارات المتعاقبة لأسباب لا مجال هنا لتفصيلها، لكن الأمر أشبه بالموروث السياسي الذي مهما تقلبت الظروف وتحولت بقي هو الثابت الوحيد، بيد أن التفسيرات "سيئة النية" تتحدث عن استغلال الأميركيين لإسرائيل كـ"حديقة خلفية قذرة" تستخدم لإجراء تجارب يحظرها القانون الأميركي، وتوالت التقارير بهذا الشأن عن عثرات وأخطاء تصنيعية في "أوسبري" التي لم تختبر بفعالية في الحروب.

هنا مربط الفرس، فقد اشتعلت أروقة القرار الإسرائيلي غضباً الأسبوع الماضي، لإقدام مسؤول أميركي وعبر شبكة "سي أن أن" على تسريب نبأ الغارة الإسرائيلية على القاعدة الجوية السورية في اللاذقية والتي استهدفت صواريخ دفاعية من طراز "أس ايه 17" المضادة للطيران. ولا يمكن تفسير هذا الغضب سوى بأن إسرائيل تريد لهذه الغارة أن تبقى سرية، على خلاف الغارات السابقة العلنية، ولا يمكن فهم هذه الرغبة بأي شكل سوى التواطؤ مع بشار الأسد نفسه، الذي اضطر بعد الغارة الأخيرة على دمشق إلى التخلي عن شعاره الذرائعي "سنرد في الوقت المناسب" بل قطع بأن نظامه سيرد على أي غارة إسرائيلية جديدة. إذن خشيت إسرائيل من أن تخدعها أميركا بهذه التسريبات فتحرج بشار أكثر وتدفعه للرد مستعيناً بقوات حزب الله وإيران، ومن هنا غضبت، بينما أخال المسؤول الأميركي في حالة مزاجية حسنة وهو يدفع إسرائيل إلى تغطية عجزه البائن في الملف السوري، لاستكمال تدمير المقدرات العسكرية السورية بعد ضمان إغلاق الملف الكيماوي بالشمع الأحمر، ولعل "أوسبري" تثبت جدواها.

Email