شرخ في التحالف

ت + ت - الحجم الطبيعي

استدعاء سفراء واتصالات هاتفية على أعلى مستوى، وتحقيقات قضائية عنوانها "فضائح تجسس" بين الحليفين التاريخيين: أوروبا والولايات المتحدة.

هل من غرابة في نشر غسيل البيت الداخلي الأوروبي الأميركي، أم أن عالم السياسة لا يعترف بما يدعى "الثقة" ويبقى الشك - بالتأكيد ليس على الطريقة الديكارتية - هو الأساس في التحالفات الدولية القائمة على مصالح هي عرضة للتبدل؟

بعد تفجر هذه الفضيحة واضطرار الرئيس أوباما للاعتذار للمستشارة الأميركية ميركل بشأن ما أشيع عن تجسس الاستخبارية الأميركية على هاتفها المتحرك، أدلت وزيرة الخارجية الأميركية مادلين أولبرايت بدلوها في هذا الإطار بما أنها متحررة من استحقاقات السلط، لتهون من هذا الشأن على أساس أن التجسس بين الدول ليس مفاجأة، مذكرة بأن الفرنسيين تجسسوا على مكالماتها في العام 1993 حين كانت مندوبة في الأمم المتحدة.

بيد أن كلمات أولبرايت لم تجد آذاناً صاغية لدى المفوضية الأوروبية التي طالبت بموقف متشدد من واشنطن، بينما القضاء الألماني يصر على التحقيق، وسط اتفاق ألماني فرنسي على التحرك المشترك لإيجاد حل لهذه الأزمة.

صحيح أن العلاقات الدولية لا تخلو من التجسس، لكن لا فضائح تتفجر وتخرج إلى العلن في ظل التواطؤ بين الأجهزة الاستخبارية على الكتمان، إلا إذا كانت هناك قوى محركة خفية.

هناك أحداث مفصلية قد تكون مقدمات لتمحيص "أزمة التجسس"، وأولها قضية موظف الاستخبارات الأميركية إدوارد سنودن الذي لجأ إلى روسيا بعد فضحه حقائق مرعبة عن عمليات التنصت داخلياً وخارجياً تضمن أكثر من 70 مليون تسجيلاً بعضها طال مواطنين أميركيين..

وبعضها طال آخرين أكثر أهمية مثل الرئيس الفرنسي هولاند الذي اتخذت أجهزته كل التدابير لتحصين هاتفه، لكنه غمز من القناة الأميركية بالقول "أول قاعدة من قواعد حسن السلوك بين الحلفاء ألا نراقب بعضنا وألا نتجسس على الهاتف المحمول لأي كان في القمم الدولية".

سنودن يعتبر كنزاً لموسكو مع وثائقه الخطيرة وفي مأمن من المحاولات الأميركية المستميتة لاستعادته، ولا سيما أن فضيحة محاولة الدبلوماسي الروسي يوري زايتسيف تجنيد عملاء أميركيين ما زالت حاضرة في ظل الحرب الاستخبارية الأميركية الروسية الدائرة منذ دهر.

لكن اللافت هنا تغير مسار هذه الحرب مع قدوم روسيا الاتحادية من رحم الاتحاد السوفييتي، ففي حقبة الحرب الباردة كانت أوروبا إلى جانب أميركا في حرب التجسس، أما اليوم فيبدو أن هذا التحالف الاستخباري أصيب بالتفكك بل وبشرخ يتسع أكثر ممهداً لاقتحام روسي مدروس.

Email