مجلس الـ «فيتو»

ت + ت - الحجم الطبيعي

خلص باحثون أميركيون في دراسة نشرت في دورية "كورينت بيولوجي" إلى أن قردة "مارموسيت" كائنات تحترم أصول الحديث.

وتعطي لكلّ فرد دوراً في الكلام، والغريب في الدراسة هذه توصلها إلى أن أفراد هذا النوع من القردة "مؤدبون" مع قردة لم تعرفها من قبل. إذن هي حيوانات أوصلتها بدائيتها إلى أهمية الكلام كأداة للتواصل بين أفراد القطيع، فيها منجاة من أي "سوء فهم" يقود إلى خراب دنيا القطيع برمته ويحفظ للكل مكانته وماء وجهه حتى وإن كانت الفروة سميكة وتخفي.

هذا الاكتشاف بالتأكيد ينفع بل ويقود إلى المقارنات الحتمية بين عالمي الحيوان والإنسان، هذا الأخير الذي هو الأرقى سلالة بين الكائنات الحية، تطور عقله بوتيرة قياسية ما مكنه من تطويع الطبيعة لمصلحته..

وكانت ميزته النسبية على كل هذه الكائنات اختراع أداة الكلام بحروفها وقوانينها لتصبح وسيلة تواصل هدفها الأول لا يختلف كثيراً عن "مارموسيت" وهو قطع الطريق على سوء الفهم الذي لطالما كان السبب في الحروب والمآسي الآدمية.

بالتأكيد تواصلت عجلة التطور الإنساني، ومع هذا المستوى التكنولوجي والحضاري المذهل، لم يعد هناك مجال لسوء الفهم، ولا سيما أن الخطاب بين الأمم بلبوسه السياسي تحول من المبدئي إلى المصلحي، وبات كل من يحلم بسياسة قائمة على المبادئ حالم لا غير ويعتمد "حوار الطرشان".

هنا بدأت المعضلة في تمايز الخطاب بين القوي والضعيف، لكن الرابط بينهما بقي على الدوام: الدافع المصلحي، الذي يتسع دوره أكثر فأكثر مهما تقدمت عجلة الحضارة، ولا سيما أن الصراع على مقدرات الأرض يوغل في الاحتدام في ظل محدوديتها لا محدودية المطامح والمطامع.

نحن العرب احترفنا طويلاً الخلط بين المبادئ والمصالح، رغم كل الخيبات التي تناوبت على حاضرنا ومستقبلنا، ولم نستطع بلورة معادلة النجاة: سيادة المبادئ وقوانينها في الحراك الداخلي، والمصالح وأساليبها في التعامل الخارجي.

أوضح عنوان للخيبات العربية هو مجلس الأمن الدولي. لا داعي للخلفية التاريخية عن ظروف نشأته والقوى "المنتصرة" التي شكلته لتقاسم المصالح على الخريطة الأرضية، بل نظرة إلى الحاضر توضح تماماً أن التطور البشري في التخاطب الكلامي موجود، والأهم لغة المصالح لا المبادئ الطاغية في قراراته، فحتى تجنيب شعب من الإبادة كما حدث في رواندا ويحدث في سوريا وفلسطين يخضع لمنطق المساومات والمصالح،.

وتالياً يمكن لأي من خمس دول (اصطلح على أنها الأقوى) أن تعطل بالـ"فيتو" أي قرار مهما كان ضرورياً لإنقاذ حياة مجاميع بشرية. موقف سعودي جريء برفض عضوية لا تجدي في المجلس، مادام نظام التصويت بالأغلبية غائباً وما دام الـ"الفيتو" حاضراً، لكن الهدف يبقى صوت عربي قوي يفرض حضوره المصلحي على العالم.

Email