لعبة التجنيس الروسية

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يزال الكثير من المقيمين في روسيا الآتين من دول عربية وأفريقية يتذكرون ممارسات وحدات «أومونا» الخاصة، التابعة نظرياً للشرطة الروسية، التي يُعرف أفرادها بفظاظتهم، وتوليهم المهمات الحساسة لفض الاعتصامات أو اعتقال المطلوبين. وكانوا يستوقفون أصحاب البشرة السمراء والشعر الأسود في الشوارع، ليحققوا معهم ويطلبوا هوياتهم، إبان حقبة «الفوبيا» من الشيشانيين في منتصف التسعينيات.

ومنذ العام 2000، اكتسبت قوى اليمين المتشدد دفعة معنوية كبيرة، مستفيدةً من الشحن القومي الذي غذّته دعاية وسائل الإعلام الحكومية، في ظل ما يحكى عن عودة المجد السوفييتي. وإن كان الكرملين يتساهل مع نشاطات ومسيرات تلك القوى بشكلٍ كبير، على عكس تظاهرات المعارضة الأخرى، فإنه في الأغلب يستخدم ذلك اليمين لضرب الخصوم.

وعليه، يُفهم سبب «التسامح» الذي طبع قضية المدون أليكس نافالني، المقرب من الأوساط القومية والمناهضة للهجرة، على عكس ما حصل مثلاً مع شخصيات أقل «خطورة» منه على النظام بكثير، من قبيل مراهقات فرقة «بوسي رايوت» الغنائية. واليوم، تعود موجة العداء تجاه المهاجرين لتطل برأسها من جديد على خلفية مقتل شاب روسي على يد مقيم آذري الأصل.

حيث اعتقل أكثر من 1500 في حي بيريوليفو جنوب موسكو، الذي يشكل المهاجرون من دول القوقاز وآسيا الوسطى الأغلبية فيه، قبل أن يقتل أوزبكي طعناً في الحي نفسه انتقاماً، فيما يبدو للشاب الروسي.والمثير للقلق حقاً، هو أن موسكو، وبالتوازي مع تجييش الداخل دينياً وعرقياً، يممت شطر وجهها نحو الخارج، وعادت للعب بورقة «التجنيس» لتبرير تدخلاتها في شؤون الدول التي تعتبر أنها تدور في فلكها.

هذا ما فعلته روسيا في جورجيا، عبر تجنيس سكان أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، وشن حرب بعدها على تبليسي بزعم حماية مواطنين روس، ومن ثم فصل الإقليمين عن الوطن الأم، وهكذا حاولت في أوكرانيا، من خلال مطالب تجنيس سكان شبه جزيرة القرم، وهذا ما تسعى حالياً إلى القيام به في سوريا. ومن هنا، جاء بيان وزارة الخارجية الروسية بشأن طلب حوالي 50 ألف مسيحي سوري الجنسية الروسية.

اللعبة الروسية خطرة جداً، بالنظر إلى هشاشة الوضع في منطقتي القوقاز والشرق الأوسط عرقياً ودينياً ومذهبياً، خاصةً أن موسكو لا تنفك تؤكد أن النظام القائم في سوريا يحمي الأقليات، وتطلب تمثيلها في مؤتمر «جنيف 2»، من دون أن ننسى كلام وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر أن روسيا تعتبر سوريا «أحد معاقل الأرثوذكسية»، وهو ما يصب في الاتجاه ذاته الذي ذهب إليه رئيس الدبلوماسية الروسية سيرغي لافروف قبل عام ونصف العام، حينما تحدث عن «مخاوف» من إقامة نظام حكم سني في سوريا.

Email