المخطط الجمهوري

ت + ت - الحجم الطبيعي

إذن، يمضي "الجمهوريون" في برنامجهم، حتى ولو كان الثمن ظهور "بوعزيزي" أميركي، يشكل سابقة تاريخية تعنون رمي نحو 800 ألف أميركي في براثن الإجازة المفتوحة وغير المدفوعة.

منذ الانتخابات الرئاسية الأولى التي حملت الديمقراطي باراك أوباما إلى البيت الأبيض، بشعار "تغيير المسار" الحروبي والكارثي الذي انتهجه سلفه الجمهوري جورج بوش الابن، كان الشعار الانتخابي المضاد للجمهوريين هو "العودة إلى داخل حدود الوطن"، بمعنى سحب كل الأذرع الأميركية من أنحاء العالم، وتركه يداوي جراحه بنفسه تخفيفاً للعبء.

طبعاً الكل يعلم أن الأذرع الأميركية الممتدة في طول الأرض وعرضها، ليست للتبشير برسالة أخلاقية، بل هي علناً لحماية "المصالح الحيوية الأميركية".

بعيد اجتراح الصين كوة رأسمالية في جدارها الاشتراكي، أي شنغهاي، هاجر معظم الرساميل الأميركية والأوروبية إلى هذه الواحة لسببين: الأول اقتحام السور الاشتراكي المحكم، والثاني ـ وهو الأهم ـ تعظيم الأرباح، حيث المواد الأولية والعمالة الرخيصة.

هذه الهجرة لم تهد الاقتصاد الأميركي كنتيجة منطقية، والسبب هو تلك الخصوصية المعقدة لطبيعة هذا الاقتصاد التي تقوم على الاستئثار الاحتكاري للتكنولوجيا الفائقة وتكنولوجيا الطاقة والقمح، والاعتماد على نظرية الأخطبوط:

أذرع منتشرة تغذي المركز. على هذا فإن الإصرار الجمهوري على تعطيل الموازنة وإحباط أهم إنجازات أوباما الداخلية الخاص بالتأمين الصحي، يبدو للوهلة الأولى قصر نظر وعدم فهم لحقيقة مكونات وآليات الاقتصاد الأميركي، أضخم اقتصادات الكرة الأرضية، فإذا ما انسحبت أذرع الأخطبوط بدفوقاتها جف المركز وذوى مع انهيار "المصالح الحيوية الأميركية" في العالم.

لكن الوهلة الثانية تشف عما يخطط له الجمهوريون منذ أمد طويل، عبر هذا التعطيل المالي الذي يهدد - من بين حزمة مؤسسات - القواعد العسكرية الأميركية الخارجية التي تناهز الألف.

مع الفوضى المصاحبة للحرب على العراق، باتت الولايات المتحدة الأميركية تمتلك مخزوناً استراتيجياً من النفط يكفيها لمئة عام، بحسب الخبراء الأميركيين أنفسهم، إلى جانب بدء عجلة الإنتاج الخاص لديها من الصخر الغازي أو الزيتي، ما يعني انتقال بؤرة الطاقة من الخارج إلى الداخل. يتزامن ذلك مع تركز مناطق نفوذ الجمهوريين، ومنهم المحافظون الجدد في الولايات الأميركية الغنية، التي لطالما رفعت عقيرتها ضد النظام الفيدرالي الذي يجعلها تنوء تحت عبء الصرف على الولايات الجنوبية الفقيرة.

إذن، يرى الجمهوريون أن لا مناص من التخلص من الأعباء الخارجية إلى جانب أعباء أبناء جلدتهم الجنوبيين، مع الاحتفاظ بمراكز القوة الاقتصادية الداخلية، والاحتفاظ فقط ببعض القواعد العسكرية الخارجية، لكن بشروط جديدة تخفض كلفتها.

من كل ذلك يبرز خطر تفكك الدولة الأميركية بمكوناتها الحالية، وهو ما لا يمانعه المتطرفون من الجمهوريين. إذن، هو جرس إنذار لإمكان تغيير التحالفات الدولية الحالية، والتحوط لهذا السيناريو الذي يبدو بعيداً لكن غير مستبعد.

Email